في تفسير مجمع البيان : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لجبرائيل عليهالسلام : ما أحسن ما أثنى عليك ربّك! ذي قوّة عند العرش مكين ، مطاع ثّم أمين ، فما كانت قوّتك وما كانت أمانتك؟ فقال : أمّا قوّتي فإنّي بعثت إلى مدائن لوط ، وهي أربع مدائن في كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري ، فحملتهن من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج ، ونباح الكلاب ، ثم هويت بهنّ فقلبتهن. وأمّا أمانتي ، فإنّي لم اؤمر بشيء فعدوته إلى غيره.
وينفي القرآن ما نُسب إلى النبي : (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ).
«الصاحب : هو الملازم والرفيق والجليس ؛ والوصف هذا مضافاً إلى أنّه يحكي عن تواضع النبي صلىاللهعليهوآله مع جميع الناس ... فلم يرغب يوماً في الإستعلاء على أحد منكم ، فإنّه قد عاش بينكم حقبة طويلة ، وجالسكم ، فلمستم عن قرب رجاحة عقله وحسن درايته وأمانته ، فكيف تنسبون له الجنون؟!
ويؤكّد القرآن على الإرتباط الوثيق ما بين النبي صلىاللهعليهوآله وجبرائيل : (وَلَقَدْ رَءَاهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ). وهو الأفق الأعلى الذي تظهر فيه الملائكة ، حيث شاهد رسول الله جبرائيل.
وتأتي الصفة الخامسة : (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ).
«ضنين : من ضنّة على وزن (مِنّة) ، أي : البخل بالأشياء الثمينة والنفيسة ، فالأنبياء عليهمالسلام منزّهون عن ذلك ، وإذا ما بخل الآخرون بما صار في حوزتهم من علم محدود ، فالنبّي فوق ذلك وأنزه مع ما له من منبع علم إلهي.
وتقول آخر الآيات المبحوثة : (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ).
فالآيات القرآنية ليست كحديث الكهنة الذي يأخذوه من الشياطين ، ودليلها معها ، حيث إنّ حديث الكهنة محشو بالأكاذيب والتناقضات ، ويدور حول محور ميولهم ورغباتهم ، في حين لا يشاهد ذلك في الآيات القرآنية إطلاقاً.
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (٢٩)
إلى أين ... أيّها الغافلون : أكّدت الآيات السابقة ببيان جلي حقيقة كون القرآن كلام الله ... فمحتواه ينطق عن كونه كلاماً رحمانياً وليس شيطانياً ، وقد نزل به رسول كريم مقتدر وأمين ، وقام بتبليغه النبي الصادق الأمين صلىاللهعليهوآله الذي لم يبخل في البلاغ في شيء ، وما تهاون عن تعليم الناس فيما ارسل به.