المقصود من (آل فرعون) ليسوا أهل بيته ومتعلقيه فقط ، بل يشمل كل أتباعه بصورة عامة.
«نذر : على وزن (كتب) وهي جمع نذير ، وهنا إشارة إلى المعجزات التسع لموسى عليهالسلام.
والآية اللاحقة تكشف عن ردّ الفعل لآل فرعون من دعوة النبيين الإلهيين ، والإنذارات التي وجّهوها لهم حيث يقول الله سبحانه : (كَذَّبُوا بَايَاتِنَا كُلّهَا).
(آيات) لها معنى واسع تشمل الدلائل العقلية والمعجزات والدلائل النقلية ، وعند ملاحظة قوله تعالى : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَءَايَاتٍ بَيّنَاتٍ) يتبين لنا أنّ المقصود ب (الآيات) هنا هي المعجزات التسع لموسى عليهالسلام.
إنّ الإنسان إذا كان صادقاً في البحث عن الحقيقة فإنّه يكفيه أن يرى واحدة منها ، وخاصة تلك التي يسبقها إنذار ، ثم بلاء ، ثم زوال هذا البلاء عند دعاء النبي الإلهي ، ولكن العناد والإصرار على الباطل والغرور إذا ركب الإنسان ، فحتى لو أصبحت جميع السماء والأرض آيات لله ، فلن تكون ذات تأثير على أمثال هؤلاء ، والجواب الحاسم المناسب لهم هو العذاب الإلهي الذي يقضي على النزعات الشريرة والنفوس المريضة التي يملؤها الهوى والغرور. كما قال تعالى : (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ) تكملة للآية مورد البحث.
والتعبير الآخر الذي أتى في آخر هذه القصة لا يوجد له شبه في التعابير المماثلة في القصص الاخرى ، وذلك لأنّ الفراعنة كانوا يتباهون بقوّتهم وسطوتهم وعزّهم أكثر من بقية الامم ، والحديث عن قوّة سلطانهم كان في كل مكان. يقول الله تعالى : (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ). وذلك كي يكون واضحاً للجميع أنّ القوة الحقيقة هي لله وحده ، لأنّ كل قوة وعزة اخرى غير قوّته وما يتّصل بذاته وهميّة لا تساوي شيئاً في قبال عزّته وقدرته ... والعجيب أنّ نهر النيل العظيم الذي كان مصدر خير وثروة لهم ، هو الذي امر بالإنتقام منهم ، والأعجب من ذلك أنّ أضعف المخلوقات سلّطت عليهم كالجراد والضفادع والقمل فجعلتهم في حالة عجز ومسكنة لا يقدرون على دفعها ، وهم الذين كانوا من السطوة والقوّة موضع حديث أهل زمانهم.
وبعد بيان هذه المشاهد المؤثّرة من قصص الأقوام المنصرمة والعذاب الإلهي العظيم الذي حلّ بهؤلاء الجبابرة المتمرّدين على الحق ، يخاطب الله سبحانه في الآية اللاحقة مشركي مكة بقوله تعالى : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُولِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِى الزُّبُرِ).