فما الفرق بينكم وبين قوم فرعون وقوم نوح ولوط وثمود؟ فكما أنّ اولئك الأقوام قد عذّبوا بالطوفان تارةً والزلازل والصواعق اخرى.
ومن الطبيعي أنّ مثل هذه الادّعاءات ادّعاءات كاذبة لا يقوم عليها أي دليل (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ).
والجدير بالذكر هنا أنّ الآية السابقة كانت بصورة خطاب ، أمّا في الآية مورد البحث والآيات اللاحقة ، فإنّ الحديث عن الكفار بلغة الغائب ، وهو نوع من أنواع التحقير ، أي أنّهم غير مؤهّلين للخطاب الإلهي المباشر.
ويواجه القرآن الكريم هؤلاء السادرين في غيّهم بإخبار غيبي حاسم وقوي ، حيث يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ).
«سيهزم : من مادة هزم في الأصل بمعنى الضغط على الجسم اليابس لحد التلاشي.
وهذا إشارة إلى النقطة التالية وهي : رغم حالة الإتحاد والإنسجام لهؤلاء القوم ظاهراً ، إلّا أنّهم كالموجودات اليابسة والفاقدة للروح ، فبمجرد تعرّضها إلى ضغط قوي تتهشّم.
لقد صدق هذا التنبّؤ في معركة بدر وسائر الحروب الاخرى حيث كانت هزيمة الكفار ساحقة ، فإنّه رغم قدرتهم وقوّتهم فقد تلاشى جمعهم.
وفي آخر الآية مورد البحث يشير سبحانه إلى أنّ الهزيمة التي مُني بها المشركون سوف لن تكون في الدنيا فقط ، وإنّما هي في الآخرة أشدّ وأدهى ، حيث يقول الباريء عزوجل : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ).
«أدهى : من مادة (دَهَوَ) و (دهاء) ، بمعنى المصيبة والكارثة العظيمة والتي لا مخرج منها ولا نجاة ، ولا علاج لها ، وتأتي أيضاً بمعنى الذكاء الشديد ، إلّاأنّ المقصود منها في الآيه الكريمة هو المعنى الأوّل.
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥)