إنّ هذه الآيات هي استمرار لبحث الآيات السابقة حول بيان أحوال المشركين والمجرمين في يوم القيامة ، وآخر آية من تلك الآيات تعكس هذه الحقيقة بوضوح ، وهو أنّ يوم القيامة هو الموعد المرتقب لهؤلاء الأشرار في الاقتصاص منهم ، حيث يحمل المرارة والصعوبة والأهوال لهم ، والتي هي أشد وأقسى مما اصيبوا به في هذه الدنيا. وتتحدث الآية الاولى ـ مورد البحث ـ عن ذلك حيث يقول سبحانه : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَللٍ وَسُعُرٍ).
يقول الباريء عزوجل : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ).
وفي الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إنّ في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له : سقر شكا إلى الله عزوجل شدّة حرّه ، وسأله أن يأذن له أن يتنفّس فتنفس فأحرق جهنم.
ولكي لا يتصور أنّ هذه الشدة في العذاب لا تتناسب مع المعاصي ، يقول سبحانه : (إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنهُ بِقَدَرٍ).
إنّ عذابهم في هذه الدنيا كان بتقدير وحساب ، وكذلك سيكون عقابهم المؤلم في الآخرة ، وليس الجزاء فقط ، ذلك أنّ الله سبحانه خلق كل شيء بحساب وتقدير.
ثم يضيف تعالى إنّه ليست أعمالنا موافقة للحكمة فحسب ، بل انّها مقترنة مع القدرة والحسم ، لأنّه : (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).
ولذلك فإنّ اليوم الذي تقوم فيه الساعة يحدث بأمر الله بلمح البصر ، وكل شيء يكون في مسار الآخرة حينئذ ، وتبعث الحياة من جديد في الأبدان.
كما أنّ المشيئة الإلهية في مجازاة المجرمين بالصواعق والصيحات السماوية والزلازل والطوفان والرياح العاتية ... كل ذلك يحدث بمجرد الأمر الإلهي وبدون تأخير.
إنّ أمره تعالى في كل مكان وكل شيء هو (كلمة واحدة) والتي تكون أسرع من لمح البصر ، ولكن محتوى الأمر الإلهي متفاوت ومختلف ، ومن خلال معرفة السنّة التدريجية للعالم المادي وخاصيته وطبيعة الحركة ـ نلاحظ أنّها تتأثّر بالزمان.
وفي الآية اللاحقة يخاطب الكفار والمجرمين مرّة اخرى ، ويلفت إنتباههم إلى مصير الأقوام السابقة حيث يقول : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
إنّ الآية الكريمة تؤكّد هذه الحقيقة مرّة اخرى ، وهي أنّ أعمال مشركي قريش وممارساتهم هي نفس أعمال وممارسات وعقائد الأقوام السابقة ، لذا فلا يوجد دليل على أنّ مصيركم سوف يكون أفضل من مصيرهم ، فاتّعظوا وعوا.