علي بن أبي طالب عليهالسلام فقالوا : يا علي! لقد حدث أمر قد رأيناه في نبي الله صلىاللهعليهوآله ، فجاء علي عليهالسلام فاحتضنه من خلفه ، وقبّل بين عاتقيه ، ثم قال : يا نبي الله بأبي أنت وامي ، ما الّذي حدث اليوم؟ قال : جاء جبرائيل فأقرأني (وَجِاىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ). قال فقلت : كيف يجاء بها؟ قال : يجيء بها سبعون ألف ملك ، يقودونها بسبعين ألف زمام ، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع ، ثم أتعرض لجهنم فتقول : ما لي ولك يا محمّد ، فقد حرّم الله لحمك عليّ ، فلا يبقى أحد إلّا قال : نفسي نفسي ، وإنّ محمّداً يقول ربّ امّتي امّتي.
نعم ، فحينما يرى المذنب كل تلك الحوادث تهتز فرائصه ويتزلزل رعباً ، فيستيقظ من غفلته ويعيش حالة الهمّ والغمّ ، ويتحسر على كل لحظة مرّت من حياته بعد ما يرى ما قدّمت يداه ، ولكن هل للحسرة حينها من فائدة؟!
وعندها ... يصرح بملء كيانه : (يَقُولُ يَا لَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى).
وتشير الآية التالية إلى شدّة العذاب الإلهي : (فَيَوْمَئِذٍ لَّايُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ).
نعم ، فمن استخدم في دنياه كل قدرته في ارتكاب أسوء الجرائم والذنوب ، فلا يجني في آخرته إلّاأشد العذاب ...
فيما سينعم المحسنون والصالحون في أحسن الثواب ، ويخلدون بحال ما لا عين رأت ولا اذن سمعت.
وتكمل الآية التالية تصوير شدّة العذاب : (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ).
فوثاقه ليس كوثاق الآخرين ، وعذابه كذلك ، كل ذلك بما كسبت يداه حينما أوثق المظلومين في الدنيا بأشدّ الوثاق ، ومارس معهم التعذيب بكل وحشية ، متجرد عن كل ما وهبه الله من إنسانية.
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠)
الشّرف العظيم : وتنتقل السورة في آخر مطافها إلى تلك النفوس المطمئنة ثقة بالله وبهدف الخلق ، بالرغم من معايشتها في خضم صخب الحياة الدنيا ، فتخاطبهم بكل لطف ولين ومحبّة ، حيث تقول : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) .. (ارْجِعِى إِلَى رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) .. (فَادْخُلِى فِى عِبَادِى) .. (وَادْخُلِى جَنَّتِى).