(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) (٢٦)
يوم لا تنفع الذكرى : بعد أن ذمت الآيات السابقة الطغاة وعبدة الدنيا والغاصبين لحقوق الآخرين ، تأتي هذه الآيات لتحذرهم وتهددهم بوجود القيامة والحساب والجزاء. فتقول أوّلاً : (كَلَّا). فليس الأمر كما تعتقدون بأن لا حساب ولا جزاء ، وأنّ الله قد أعطاكم المال تكريماً وليس امتحاناً .. (إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا).
«الدك : الأرض اللينة السهلة ، ثم استعملت في تسوية الأرض من الإرتفاعات والتعرجات.
فالآية تشير إلى الزلازل والحوادث المرعبة التي تعلن عن نهاية الدنيا وبداية يوم القيامة ، حيث تتلاشى الجبال وتستوي الأرض ، كما أشارت لذلك الآيات (١٠٥ ـ ١٠٧) من سورة طه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا).
وبعد أن تنتهي مرحلة القيامة الاولى (مرحلة الدمار) ، تأتي المرحلة الثانية ، حيث يعود الناس ثانية للحياة ليحضروا في ساحة العدل الإلهي : (وَجَاءَ رَبُّك وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا).
نعم ، فسيقف الجميع في ذلك المحشر لإجراء الأمر الالهي وتحقيق العدالة الربانية ، وقد بيّنت لنا الآيات ما لعظمة ذلك اليوم ، وكيف أنّ الإنسان لا سبيل له حينها إلّاالرضوخ التام بين قبضة العدل الإلهي.
وتقول الآية التالية : (وَجِاىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسنُ وَأَنَّى لَهُ الذّكْرَى).
وما نستنبطه من الآية ، إنّ جهنم قابلة للحركة ، فتقرب للمجرمين ، كما هو حال حركة الجنة للمتقين : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١).
في تفسير مجمع البيان عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية ، تغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعُرف في وجهه ، حتى اشتدّ على أصحابه ما رأوا من حاله ، وانطلق بعضهم إلى
__________________
(١) سورة الشعراء / ٩٠.