وإكرامه لسدّ الثغرة التي تسببت برحيل أبيه ، وقد أولت الأحاديث الشريفة والروايات هذا الجانب أهمية خاصة ، وأكّدت على ضرورة رعاية وإكرام اليتيم.
تحاضون : من الحض وهو الترغيب ، فلا يكفي إطعام المسكين بل يجب على الناس أن يتواصوا ويحث بعضهم البعض الآخر على ذلك لتعم هذه السنّة التربوية كل المجتمع.
وتعرض الآية التالية ثالث أعمالهم القبيحة : (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمًّا).
ممّا لا شك فيه أنّ الإستفادة من الميراث المشروع عمل غير مذموم ، ولذا فيمكن أن يكون المذموم في الآية أحد الامور التالية :
الأوّل : الجمع بين حق الإنسان وحق الآخرين في الميراث.
وكانت عادة العرب في الجاهلية أن يحرموا النساء والأطفال من الإرث لاعتقادهم بأنّه نصيب المقاتلين (لأنّ أكثر أموالهم تأتيهم عن طريق السلب والإغارة).
الثاني : عدم الإنفاق من الإرث على المحرومين والفقراء من الأقرباء وغيرهم ، فإن كنتم تبخلون بهذه الأموال التي وصلت إليكم بلا عناء ، فأنتم أبخل فيما تكدّون في تحصيله ، وهذا عيب كبير فيكم.
الثالث : هو أكل إرث اليتامى والتجاوز على حقوق الصغار ، وذلك من أقبح الذنوب ، لأنّ فيه استغلال فاحش لحق من لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
والجمع بين هذه التفاسير الثلاث ممكن.
ثم يأتي الذّم الرابع : (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا).
فأنتم .. عبدة دنيا ، طالبي ثروة ، عشاق مال ومتاع .. ومن يكون بهذه الحال فمن الطبيعي أن لا يعتني في جمعه للمال ، أكان من حلال أم من حرام ، ومن الطبيعي أيضاً أن يتجاوز على الحقوق الشرعية المترتبة عليه ، بأن لا ينفقها أو ينقص منها .. ومن الطبيعي كذلك إنّ القلب الذي امتلأ بحبّ المال والدنيا سوف لا يبقى فيه محل لذكر الله عزوجل.
ولذا نجد القرآن الكريم بعد ذكره لمسألة امتحان الإنسان ، يتعرض لأربعة اختبارات يفشل فيها المجرمين.
والملاحظ أنّ الإختبارات المذكورة إنّما تدور حول محور الأموال ، للإشارة ما للمال من مطبات مهلكة ، ولو تجاوزها الإنسان لسهلت عليه بقية العقبات في طريقه نحو التكامل والرقي والسمو.