العقبة : بعد ذكر النعم الكبيرة في الآيات السابقة ، تنحي هذه الآيات باللائمة على اولئك الذين يكفرون بهذه النعم ، ولا يسخرونها على طريق النجاة ، يقول سبحانه : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ).
وما المقصود من العقبة؟ الآيات التالية تفسّرها : (وَمَا أَدْرَيكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ).
من هنا فالعقبة التي لم يتهيأ الكافرون لاجتيازها هي : فك رقبة عبد وتحريره من الرقّ ، أو إطعام في يوم الضائقة الإقتصادية والمجاعة ، يتيماً ذا قربى أو فقيراً قد لصق بالتراب من شدّة فقره ، العقبة هي مجموعة أعمال الخير التي تتجه لخدمة الناس والأخذ بيد الضعفاء والمعوزين ، كما إنّها أيضاً مجموعة من المعتقدات الصحيحة الخالصة تشير إليها الآيات التالية. نعم ، إن اجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير لما لأغلب الناس من التصاق بالمال والثروة.
١ ـ اقتحم : من الإقتحام وهو الدخول في عمل صعب مخيف (مفردات الراغب) ، أو الولوج والعبور بشدّة ومشقّة (تفسير الكشّاف) وهذا يعني أنّ إجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير ، كما أنّه تأكيد على ما ورد في أوّل السورة بشأن ما يكابد الإنسان في حياته : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسنَ فِى كَبَدٍ).
٢ ـ المسغبة : من سغب على وزن (غضب) وهو الجوع ؛ ويوم ذي مسغبة أي وقت المجاعة ، والجياع موجودون في المجتمع عادة ، والآية إنّما تؤكّد على إطعامهم في زمان المجاعة لأهمية الموضوع ، وإلّا فإنّ اشباع الجياع هو دائماً من أفضل الأعمال.
٣ ـ المقربة : بمعنى القرابة والرحم ، والتأكيد على الأقرباء من اليتامى في الآية إنّما هو لمراعاة الاولوية وللتأكيد على تصاعد المسؤولية تجاههم ، لا لحصر الإطعام بهذا القسم من اليتامى.
٤ ـ المتربة : مصدر ميمي من ترب وساكن التراب من شدّة فقره هو ذو المتربة ، والتأكيد على هذا النمط من المساكين لأولويتهم أيضاً.
وفي الكافي عن معمر بن خلاد قال : كان أبوالحسن الرضا عليهالسلام إذا أكل أتى بصفحة فتوضع بقرب مائدته ، فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئاً فيضع في تلك الصفحة ثم يأمر بها للمساكين ، ثم يتلو هذه الآية : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ). ثم يقول : علم الله