نعم ، الفلاح لمن ربّى نفسه ونمّاها ، وطهّرها من التلوّث بالخصائل الشيطانية وبالذنوب والكفر والعصيان.
والمسألة الأساسية في حياة الإنسان هي هذه التزكية ، فإن حصلت سعد الإنسان وإلّا شقى وكان من البائسين.
ثم يعرج السياق القرآني على المجموعة المخالفة فيقول : (وَقَدْ خَابَ مَن دَسهَا).
«خاب : من الخيبة ، وهي فوت الطلب ، كما يقول الراغب في المفردات والحرمان والخسران.
«دسّاها : من مادة دس وهي في الأصل بمعنى إدخال الشيء قسراً.
وبهذا المعيار يتمّ تمييز الفائزين عن الفاشلين في ساحة الحياة : تزكية النفس وتنميتها بروح التقوى وطاعة الله أو تلوثها بأنواع المعاصي والذنوب.
في المجمع : وجاءت الرواية عن سعيد بن أبي هلال قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا قرأ هذه الآية (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكهَا) وقف ثم قال : اللهمّ آت نفسي تقواها ، أنت وليّها ومولاها ، وزكّها وأنت خير من زكّاها.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (١٢) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (١٤) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) (١٥)
عاقبة مرّة للطغاة : عقب التحذير الذي اطلقته الآية السابقة بشأن عاقبة من ألقى بنفسه في أوحال العصيان ، قدمت هذه الآيات مصداقاً تاريخياً واضحاً لهذه السنّة الإلهية ، وتحدثت عن مصير قوم ثمود بعبارات قصيرة قاطعة ذات مدلول عميق.
«الطغوى والطغيان بمعنى واحد وهو تجاوز الحد ، وفي الآية تجاوز الحدود الإلهية والعصيان أمام أوامره.
«قوم ثمود من أقدم الأقوام التي سكنت منطقة جبلية بين الحجاز والشام. كانت لهم حياة رغدة مرفهة ، وأرض خصبة ، وقصور فخمة ، غير أنّهم لم يؤدوا شكر هذه النعم ، بل طغوا وكذبوا نبيّهم صالحاً ، واستهزأوا بآيات الله ، فكان عاقبة أمرهم أن أبيدوا بصاعقة سماوية.