يجيء ضاحكاً مستبشراً ، فقال : يا جبريل تضحك وابن مسعود يبكي! فقال : ستعلم.
فلما ظفر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في الجهاد ، فقال : خذ رمحك والتمس في الجرحى من كان به رمق فاقتله فإنّك تنال ثواب المجاهدين ، فأخذ يطالع القتلى ، فإذا أبو جهل مصروع يخور ... فصعد على صدره ، فلما رآه أبو جهل قال : يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعباً ، فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فقال أبو جهل : بلغ صاحبك أنّه لم يكن أحد أبغض إلي منه في حياتي ، ولا أحد أبغض إلي منه في حال مماتي.
فروى أنّه صلىاللهعليهوآله لمّا سمع ذلك قال : فرعوني أشدّ من فرعون موسى فإنّه قال آمنت وهو قد زاد عتواً.
ثم قال [أبو جهل] لابن مسعود : اقطع رأسي بسيفي هذا ، لأنّه أحدّ وأقطع ، فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله ، فراح يجرّه على ناصيته إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وبذلك تحقق قوله سبحانه : (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ) في هذه الدنيا أيضاً (١).
«الناصية : شعر مقدم الرأس ، و (السفع بالناصية) يراد به الإذلال والإرغام ، لأنّ أخذ الشخص بناصيته يفقده كل حركة ويجبره على الإستسلام.
ولقد وردت بعض الروايات الصحيحة بأنّ السورة ـ عدا المقطع الأوّل منها ـ قد نزلت في أبي جهل إذ مرّ برسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يصلي عند المقام فقال (يا محمّد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده. فاغلظ له رسول الله صلىاللهعليهوآله وانتهره ...) ولعلّها هي التي أخذ فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله بخناقه وقال له : (أولى لك ثم أولى). فقال : يا محمّد بأي شيء تهددني؟ أما والله إنّي لأكثر هذا الوادي نادياً (٢). وهنا نزلت الآية التالية تقول لأبي جهل : فليدع هذا الجاهل المغرور كل قومه وعشيرته وليستنجد بهم : (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ).
ونحن سندع أيضاً زبانية جهنم : (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ). ليعلم هذا الجاهل الغافل أنّه عاجز عن فعل أي شيء وإنّه في قبضة خزنة جهنم كقشة في مهبّ الريح.
وفي آخر آية من السورة وهي آية السجدة يقول سبحانه : (كَلَّا). أي ليس الأمر كما
__________________
(١) التفسير الكبير ٣٢ / ٢٣.
(٢) في ظلال القرآن ٨ / ٦٢٤.