بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٥)
في بداية السورة ذكر لأهل الكتاب (اليهود والنصارى) ومشركي العرب قبل ظهور الإسلام ، فهؤلاء كانوا يدّعون أنّهم غير منفكين عن دينهم إلّابدليل واضح قاطع.
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيّنَةُ).
والبيّنة : التي أرادوها : رسول من الله يتلو عليهم كتاباً مطهّراً من ربّ العالمين : (رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً).
وهذه الصحف فيها من الكتابة ما هو صحيح وثابت وذو قيمة : (فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ).
كان هذا ادّعاؤهم قبل ظهور الإسلام ، وحينما ظهر ونزلت آياته تغيّر هؤلاء ، واختلفوا وتفرقوا ، وما تفرقوا إلّابعد أن جاءهم الدليل الواضح والنبي الصادح بالحق.
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيّنَةُ).
وهذا المعنى يشبه ما جاء في الآية (٨٩) من سورة البقرة : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ).
نعلم أنّ أهل الكتاب كانوا ينتظرون مثل هذا الظهور ، ولابدّ أن يكون مشركو العرب مشاركين لأهل الكتاب في هذا الإنتظار لما كانوا يرون فيهم من علم ومعرفة ، ولكن حين تحققت آمالهم غيّروا مسيرهم والتحقوا باعداء الدعوة.
«البيّنة : في الآية هي الدليل الواضح ، ومصداقها حسب الآية الثانية شخص رسول الله وهو يتلو عليهم القرآن.
«صحف : جمع صحيفة ، وتعني ما يكتب عليه من الورق ، والمقصود بها هنا محتوى هذه الأوراق ، إذ نعلم أنّ الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله لم يكن يتلو شيئاً عليهم من الأوراق.