إليها باعتبارها وسيلة بل هدفاً ، ولا يحدّهم قيد أو شرط في جمعها ، حتى ولو كان من طريق الحرام والإعتداء على حقوق الآخرين وارتكاب كل دنيئة ورذيلة ، ويعتبرون ذلك دليلاً على عظمتهم وشخصيتهم.
هؤلاء لا يريدون المال لسد حاجاتهم الحياتية ، ولذلك يزداد حرصهم على جمع المال كلّما كثرت أموالهم ، وإلّا فإنّ المال في الحدود المعقولة ومن الطرق المشروعة ليس بمذموم ، بل إنّ القرآن الكريم عبّر عنه في موضع بأنّه فضل الله ؛ حيث يقول تعالى في الآية (١٠) من سورة الجمعة : (وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ).
وفي موضع آخر يسميه خيراً ، كقوله سبحانه في الآية (١٨٠) من سورة البقرة : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ).
مثل هذا المال ليس بالتأكيد مبعث طغيان ، ولا وسيلة تفاخر ، ولا دافع سخرية بالآخرين ، لكن المال الذي يصبح معبوداً وهدفاً نهائياً ، ويدعو أصحابه من أمثال قارون إلى الطغيان ، هو العار والذلة والمأساة ومبعث البعد عن الله والخلود في النار.
ومثل هذا المال لا يمكن جمعه وعدّه إلّابالسقوط في أوحال الحرام. في الخصال عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام قال : لا يجتمع المال إلّابخصال خمس : ببخل شديد ، وأمل طويل ، وحرص غالب ، وقطيعة الرحم ، وايثار الدنيا على الآخرة.
في الآية التالية يقول سبحانه : (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أخْلَدَهُ).
ما أتفه هذا التفكير! قارون بكل ما كان يملكه من كنوز لا تستطيع العصبة أولو القوّة أن تحمل مفاتحها ، لم يستطع أن يستخدم أمواله لتأخير مصيره الأسود ساعة واحدة : (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) (١).
الأموال التي كان يمتلكها الفراعنة : (مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) (٢) ، تحولت في ساعة إلى غيرهم : (كَذلِكَ وَأَورثنَاهَا قَوْمًاءَاخَرِينَ) (٣).
لذلك فإنّ هؤلاء اللاهين بأموالهم ، حين تزول من أمام أعينهم الحجب والأستار يوم القيامة يرفعون عقيرتهم بالقول : (مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ) (٤).
من هنا يتبيّن أنّ الظن بقدرة المال على الإخلاد ، هو الذي يدفع إلى جمع المال ، وجمع المال
__________________
(١) سورة القصص / ٨١.
(٢) سورة الدخان / ٢٥ ـ ٢٧.
(٣) سورة الدخان / ٢٨.
(٤) سورة الحاقّة / ٢٨ و ٢٩.