سبب النّزول
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم الصفا فقال : يا صباحاه! فأقبلت إليه قريش ، فقالوا له : ما لك؟ فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ، أما كنتم تصدّقوني. قالوا : بلى. قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبولهب : تبّاً لك! ألهذا دعوتنا جميعاً؟ فأنزل الله هذه السورة.
ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت هذه السورة ، أقبلت العوراء ام جميل بنت حرب ، ولها ولولة وفي يدها فهر ، وهي تقول : مذمّماً أبينا ، ودينه قلينا ، وأمره عصينا. والنبي صلىاللهعليهوآله جالس في المسجد ومعه أبوبكر. فلما رآها أبوبكر قال : يا رسول الله! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنّها لن تراني. وقرأ قرآناً فاعتصم به ، كما قال : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا) [الإسراء : ٤٥] فوقفت على أبي بكر ، ولم تر رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالت : يا أبابكر! أخبرت أنّ صاحبك هجاني. فقال : لا وربّ البيت ما هجاك. فولّت وهي تقول : قريش تعلم أنّي بنت سيّدها.
التّفسير
هذه السورة ـ كما ذكرنا في سبب نزولها ـ ترد على بذاءات أبي لهب عم النبي صلىاللهعليهوآله وابن عبد المطلب. وكان من ألد أعداء الإسلام ، وحين صدح النبي صلىاللهعليهوآله بدعوته واعلنها على قريش وأنذرهم بالعذاب الإلهي قال : تبّاً لك ألهذا دعوتنا جميعاً؟!
والقرآن يرد على هذا الإنسان البذيء ويقول له : (تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ).
في المجمع : قال طارق المحاربي : بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول : يا أيّها الناس! قولوا لا إله إلّاالله تفلحوا. وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ، ويقول : يا أيّها الناس! إنّه كذاب فلا تصدّقوه. فقلت : من هذا؟ فقالوا : هو محمّد ، يزعم أنّه نبي ، وهذا عمّه أبولهب يزعم أنّه كذاب (١).
وفي رواية اخرى : وكان من عظيم خطر أبي لهب ضد الدعوة الإسلامية أنّه كلّما جاء وفد إلى النبي صلىاللهعليهوآله يسألون عنه عمّه أبالهب ـ اعتباراً بكبره وقرابته وأهميته ـ كان يقول لهم : إنّه ساحر ، فيرجعون ولا يلقونه ، فأتاه وفد فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، فقال : إنّا لم نزل
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٥٩.