نعالجه من الجنون فتباً له وتعساً (١).
من هذه الروايات نفهم بوضوح أنّ أبالهب كان يتتبع النبي صلىاللهعليهوآله غالباً كالظلّ ، وما كان يرى سبيلاً لإيذائه إلّاسلكه ، وكان يقذعه بأفظع الألفاظ ، ومن هنا كان أشدّ أعداء الرسول والرسالة ، ولذلك جاءت هذه السورة لتردّ على أبي لهب وامرأته بصراحة وقوّة.
(مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) ، فليس بامكان أمواله أن تدرأ عنه العذاب الإلهي (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ).
من الآية الاولى نفهم أنّه كان ثرياً ينفق أمواله في محاربة النبي صلىاللهعليهوآله.
وأبولهب ناره ذات لهب يصلاها يوم القيامة ، وقيل : يصلاها في الدنيا قبل الآخرة. ولهب جاءت بصيغة النكرة لتدل على عظمة لهب تلك النار.
لا أبا لهب ولا أي واحد من الكافرين والمنحرفين تغنيه أمواله ومكانته الإجتماعية من عذاب الله ، كما يقول سبحانه : (يَوْمَ لَايَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٢).
بل لم تغنه في الدنيا من سوء المصير.
في تفسير مجمع البيان : قال عكرمة ، قال أبو رافع مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله : كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، وأسلمت ام الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه ، وكان أبولهب عدوّ الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة ، وكذلك صنعوا لم يتخلف رجل إلّابعث مكانه رجلاً.
فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّاً ، قال : وكنت رجلاً ضعيفاً وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إنّي لجالس فيها أنحت القداح وعندي ام الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل الفاسق أبولهب ، يجرّ رجليه حتى جلس على طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان ابن حرث بن عبد المطلب ، وقد قدم. فقال أبو لهب ، هلم إليّ يا ابن أخي فعندك الخبر. فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال : يا ابن أخي!
__________________
(١) تفسير الفرقان ٣٠ / ٥٠٣.
(٢) سورة الشعراء / ٨٨ و ٨٩.