بربّ الفلق أعوذ : يخاطب الله سبحانه نبيّه باعتباره الاسوة والقدوة ، ويقول له : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ * مِن شَرّ مَا خَلَقَ).
«الفلق : من فَلَق أي شقّ وفَصَل ؛ وسمي طلوع الصبح بالفلق لأنّ ضوء الصبح يشق ظلمة الليل ؛ ومثله الفجر ، اطلق على طلوع الصبح لنفس المناسبة.
وقيل : إنّ الفلق يعني ولادة كل الموجودات الحيّة ، بشرية كانت أم حيوانية أم نباتية. فولادة هذه الموجودات تقترن بفلق حبّتها أو بيضتها ، والولادة من أعجب مراحل وجود هذه الأحياء.
وقيل : إنّ الفلق له معنى واسع يشمل كل خلق ، لأنّ الخلق ، هو شقّ ستار العدم ليسطع نور الوجود.
وكل واحد من هذه المعاني الثلاثة (طلوع الصبح ـ وولادة الموجودات الحيّة ـ وخلق كل موجود) ظاهرة عجيبة تدل على عظمة الباري والخالق والمدبّر ، ووصف الله بذلك له مفهوم عميق.
(مِن شَرّ مَا خَلَقَ) ... من كل موجود شرّير من الإنس والجن والحيوان وحوادث الشرّ والنفس الأمارة بالسوء ، وهذا لا يعني أنّ الخلق الإلهي ينطوي في ذاته على شرّ ، لأنّ الخلق هو الإيجاد ، والإيجاد خير محض. يقول سبحانه : (الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ) (١).
بل الشرّ يعرض المخلوقات حين تنحرف عن قوانين الخلقة ، وتنسلخ عن المسير المعين لها ، على سبيل المثال ، أنياب الحيوانات وسيلة دفاعية تستخدمها أمام الأعداء ، كما نستخدم نحن السلاح للدفاع مقابل العدو ، فلو أنّ هذا السلاح استخدم في محله فهو خير ، وإن لم يستعمل في محله كأن صوّب تجاه صديق فهو شرّ.
وجدير بالذكر أنّ كثيراً من الامور نحسبها شرّاً وفي باطنها خير كثير ، مثل الحوادث والبلايا التي تنفض عن الإنسان غبار الغفلة وتدفعه إلى التوجه نحو الله هذه ليس من الشرّ حتماً.
(وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ). غاسق : من الغسق ، وهو شدّة ظلمة الليل في منتصفه.
«غاسق : تعني إذن في الآية : الفرد المهاجم ، أو الموجود الشرّير الذي يتستر بظلام الليل لشنّ هجومه.
«وقب : من الوَقب ، وهو الحفرة ، ثم استعمل الفعل وَقَبَ للدخول في الحفرة ؛ وكأنّ
__________________
(١) سورة السّجدة / ٧.