هذه الموجودات الشريرة المضرة تستغل ظلام الليل ، فتصنع الحفر الضارة لتحقق مقاصدها الخبيثة ، وقد يكون الفعل يعني : نَفَذَ وتوغّل.
(وَمِن شَرّ النَّفثَاتِ فِى الْعُقَدِ).
«النفاثات : من النفث وهو البصق القليل ؛ ولمّا كان البصق مقروناً بالنفخ ، فاستعملت نفث بمعنى نفخ أيضاً.
كثير من المفسرين قالوا إنّ النفاثات هي النساء الساحرات ، وهي صيغة جمع للمؤنث ومبالغة من نَفثَ ، وهذه النسوة كن يقرأن الأوراد وينفخن في عقد ، وبذلك يعملن السحر ، وقيل : إنّها إشارة للنساء اللاتي كن يوسوسن في اذن الرجال وخاصة الأزواج ليثنوهم عن عزمهم وليوهنوا إرادتهم في أداء المهام الكبرى.
الفخر الرازي يقول أنّ النساء لأجل كثرة حبّهن في قلوب الرجال يتصرفن في الرجال يحولنهم من رأى إلى رأى ومن عزيمة إلى عزيمة (١).
وهذا المعنى في عصرنا أظهر من أي وقت آخر ، إذ إنّ إحدى أهم وسائل نفوذ الجواسيس في أجهزة السياسة العالمية استخدام النساء ، اللائي ينفثن في العقد ، فتنفتح مغاليق الأسرار في القلوب ويحصلن على أدقّ الأسرار.
وقيل : إنّ النفاثات هي النفوس الشريرة ، أو الجماعات المشككة التي تبعث بوساوسها عن طريق وسائل إعلامها لتوهن عزيمة الجماعات والشعوب.
ولا يستبعد أن تكون الآية ذات مفهوم عام جامع يشمل كل اولئك ويشمل أيضاً النمامين والذين يهدمون بنيان المحبة بين الأفراد.
(وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
هذه الآية تبيّن أنّ الحسد أسوأ الصفات الرذيلة وأحطها ، لأنّ القرآن وضعه في مستوى أعمال الحيوانات المتوحشة والثعابين اللاسعة والشياطين الماكرة.
«الحسد : خصلة سيئة شيطانية تظهر في الإنسان نتيجة عوامل مختلفة ؛ مثل : ضعف الإيمان ، وضيق النظر ، والبخل. وهو يعني طلب وتمنّي زوال النعمة من شخص آخر.
الحسد منبع لكثير من الذنوب الكبيرة.
في الكافي عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب.
|
نهاية تفسير سورة الفلق |
* * *
__________________
(١) التفسير الكبير ٣٢ / ١٩٦.