إنّ مالكية الله عزوجل لعالم الوجود ليست مالكية اعتبارية وتشريعية ، إذ أنّها مالكية حقيقية وتكوينية. وهذا يعني أنّ الله سبحانه محيط بكل شيء ، وأنّ جميع العالم في قبضته وقدرته وتحت إرادته وأوامره ، لذا فقد جاء الحديث بعد هذا الكلام عن (الإحياء والإفناء) والقدرة على كل شيء.
الاختلاف بين العزّة والقدرة هو أنّ العزّة أكثر دلالة على تحطيم المقابل والقدرة تعني توفير الأسباب وإيجادها. وبناءً على هذا فإنّهما يعدّان وصفين مختلفين بالرغم من أنّهما مشتركان في أصل القدرة (يرجى ملاحظة ذلك).
ثم يتطرق سبحانه إلى ذكر خمس صفات اخرى حيث يقول : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْأَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ).
الوصف هنا ب (الْأَوَّلُ وَالْأَخِرُ) تعبير رائع عن أزليته وأبديته تعالى ، لأنّنا نعلم أنّه وجود لا متناهي وأنّه (واجب الوجود) أي أنّ وجوده من نفس ذاته ، وليس خارجاً عنه حتى تكون له بداية ونهاية ، وبناءً على هذا فإنّه كان من الأزل وسيبقى إلى الأبد.
إنّه بداية عالم الوجود ، وهو الذي سيبقى بعد فناء العالم أيضاً. وبناءً على هذا فإنّ التعبير ب (الْأَوَّلُ وَالْأَخِرُ) ليس له زمان خاصّ أبداً ، وليس فيه إشارة إلى مدّة زمنية معينة.
والوصف ب (الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) هو تعبير آخر عن الإحاطة الوجودية ـ أي وجود الله ـ بالنسبة لجميع الموجودات ، أي إنّه أظهر من كل شيء لأنّ آثاره شملت جميع مخلوقاته في كل مكان ، وهو خفي أكثر من كل شيء أيضاً لأنّ كنه ذاته لم يتّضح لأحد.
فإنّ أحد نتائج هذه الصفات المتقدمة هو ما جاء في نهاية الآية الكريمة : (وَهُوَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ). إذ إنّ من كان في البداية ويبقى في النهاية ، وموجود في ظاهر وباطن العالم ... سيكون عالماً بكل شيء قطعاً.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (٦)