يقول سبحانه في البداية : (ءَامِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ).
إنّ هذه الدعوة دعوة عامة لجميع البشر ، فهي تدعو المؤمنين إلى إيمان أكمل وأرسخ ، وتدعو ـ أيضاً ـ غير المؤمنين إلى التصديق والإيمان بما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآله ، وهذه الدعوة إلى الإيمان جاءت توأماً مع أدلة التوحيد التي تناولتها الآيات التوحيدية السابقة.
ثم يدعو إلى أحد الالتزامات المهمة للإيمان وهي : (الإنفاق في سبيل الله) حيث يقول تعالى : (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ).
إنّ للإنفاق مفهوماً واسعاً ولا ينحصر بالمال فقط ، بل يشمل ـ أيضاً ـ العلم والهداية والسمعة الاجتماعية ورؤوس الأموال المعنوية والمادية.
ثم يقول تعالى في الحثّ على الإنفاق : (فَالَّذِينَءامَنُوا مِنكُمْ وَأَنفِقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ).
إنّ وصف الأجر بأنّه كبير إشارة إلى عظمة الألطاف الإلهية والهبات الإلهية ، وأبديتها وخلوصها ودوامها ليس في الآخرة فحسب ، بل في عالم الدنيا أيضاً حيث إنّ قسماً من الأجر سوف يكون من نصيب الإنسان في الدنيا.
وبعد الأمر بالإيمان والإنفاق يعطي بياناً لكل منهما ، وهو بمثابة الاستدلال والبرهان ، وذلك بصورة استفهام توبيخي ابتداءاً ، حيث يستفسر عن علة عدم قبول دعوة الرسول صلىاللهعليهوآله حول الإيمان بالله فيقول سبحانه : (وَمَا لَكُمْ لَاتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
يعني أنّكم إذا كنتم مستعدّين حقيقة وصدقاً لقبول الحق ، فإنّ دلائله واضحة عن طريق الفطرة والعقل ، وكذلك عن طريق النقل.
وجاءت الآية اللاحقة لتأكيد وتوضيح نفس هذا المعنى حيث تقول : (هُوَ الَّذِى يُنَزّلُ عَلَى عَبْدِهِءايَاتٍ بَيّنَاتٍ لّيُخْرِجَكُم مّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
إنّ كلمة (رؤوف) جاءت هنا إشارة إلى محبته ولطفه الخاص بالنسبة إلى المطيعين ، في حين أنّ كلمة (رحيم) إشارة إلى رحمته بخصوص العاصين.
ثم يأتي استدلال آخر على ضرورة الإنفاق حيث يقول تعالى : (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثِ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ). أي أنّكم سترحلون عن هذه الدنيا وتتركون كل ما منحكم الله فيها ، وتذهبون إلى عالم آخر ، فلماذا لا تستفيدون من هذه الأموال التي جعلها الله تحت تصرفكم بتنفيذ أمره بالإنفاق.
ولأنّ للإنفاق قيماً مختلفة وأحوالاً متفاوتة الشرائط والظروف ، يضيف سبحانه : (لَا