(وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) ونحوها ، وصدق الله تعالى ، ما وجدنا الخلاف إلّا في محلّ قد تبيّن الحق فيه. وقد تمّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنهى رسول الله عن مظان الخلاف ، وحذّر منها كالجدل في القدر. وقال تعالى :
(لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.)
وقال رسول الله : «اتركوني ما تركتكم» ، وكمّل الله سبحانه الدين على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم فلم يبق شيء يقرّبنا إلى الجنّة إلّا بيّنه لنا ، ولا شيء يقربنا إلى النار إلّا بيّنه ، وما عفا الله عنه ، وسكت عنه رسوله ، فلا يريد الله أن نبحث عنه بمجرّد عقولنا القاصرة ، فإنّها إنما جعلت الدنيا في قدر محدود في علمه سبحانه ، وجاءت الرسل بتتميم ما تتمّ به النعمة ، وتؤكد الحجّة ، فما عدا ذلك فضول يخاف ضرره ولا يرجى نفعه ، وقد قام بمراد الله في ذلك خير القرون فكانوا يحاذرون الاختلاف أشد المحاذرة وما فرط منهم تلافوه أشدّ التلافي ، ولم يصرّوا على ما فعلوه وهم يعلمون. كما كان من طلحة والزبير ، وعائشة رضي الله عنهم.
ولقد صبر من بقي من الصحابة بعد خلافة النبوّة على أمراء الجور أشدّ الصبر إلى أن ظهرت البدع بسبب التنقير عما سكت الله عنه ، ورسوله ، ولو كان لهم من ذلك خير لوقفهم الله على تلك المطالب على لسان رسوله ، ولم يتركهم يتخبّطون.
ثم حدثت بين المسلمين أنفسهم نوادر كالكلام في القدر ، ومسألة خلق القرآن ، والتعرض لما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم ، واتصل بذلك المناظرة عند الملوك والأمراء وصارت عصبيّة ، والدعوى من الجانبين أن ذلك تدين ، وما هو إلّا أنّهم لمّا تعدّوا طورهم ، ولم يقفوا على حدّهم الّذي وقفهم الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم عليه ، تركهم