فضل تلاوتها ، ثم أقدم في كلّ آية الاختلاف في القراءات ، ثم ذكر العلل والاحتجاجات ، ثم ذكر العربية واللّغات ، ثم ذكر الإعراب والمشكلات ، ثم ذكر الأسباب والنزولات ، ثم ذكر المعاني والأحكام والتأويلات ، والقصص والجهات ، ثم ذكر انتظام الآيات ، على أنّي قد جمعت في عربيّته كل غرّة لائحة ، وفي إعرابه كل حجّة واضحة ، وفي معانيه كلّ قول متين ، وفي مشكلاته كلّ برهان مبين ، وهو بحمد الله للأديب عمدة ، وللنحوي عدّة ، وللمقرىء بصيرة ، وللناسك ذخيرة وللمتكلّم حجّة ، وللمحدّث محجّة ، وللفقيه دلالة ، وللواعظ آلة».
بهذه العبارات الواصفة الكاشفة قدّم الإمام السعيد ، أمين الإسلام ، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسيّ ، كتابه الجليل الّذي هو نسيج وحده بين كتب التفسير الجامعة ، ولم أجد أحسن من هذه العبارات في وصف هذا الكتاب ، وبيان منهجه ، فآثرت أن أفسح المجال لها ، وأن أجعلها أوّل ما يطالع القارىء ، ولم يكن ذلك إلّا بعد أن تنقلت في رحاب الكتاب من موضع إلى موضع ، واختبرت واقعه ممّا يعدّ من مزالق الأقدام ، ومتائه الأفهام ، ومضائق الأقلام ، فوجدته كما وصفه صاحبه ، وعلمت أنّه لم يتكثر بما ليس فيه ، ولم يعد إلّا بما يوفيه.
ولقد قلت إن هذا الكتاب نسيج وحده بين كتب التفسير ، وذلك لأنّه في غزارة بحوثه وعمقها وتنوعها ، له خاصية في الترتيب ، والتبويب ، والتنسيق والتهذيب ، لم تعرف لكتب التفسير من قبله ، ولا تكاد تعرف لكتب التفسير من بعده : فعهدنا بكتب التفسير الأولى أنّها تجمع الروايات ، والآراء في المسائل المختلفة ، وتسوقها عند الكلام على الآيات سوقا متشابكا ربّما اختلط فيه فنّ بفن ، فما يزال القارىء يكدّ نفسه في استخلاص ما يريد من هنا وهناك حتى يجتمع إليه ما