فتلك مزيّة نظاميّة لهذا الكتاب ، بجانب مزاياه العلمية الفكريّة.
وهناك منهجان علميّان في التأليف :
أحدهما : أن يستقبل المؤلف قرّاءه بما يراه هو ، وما انتهى إليه بحثه واجتهاده ، فيجعله قصاراه وهدفه ، ويحطب في سبيله ، ويجول في أوديته ، دون أن يحيد عنه ، أو يجعل لقارئه سبيلا سواه.
وهذا منهج له مواطنه التي يقبل فيها ، ومنها أن يكون المؤلف يقصد بكتابه أهل مذهب معيّن ، فله أن يفرض اتفاقه وإيّاهم على أصول المذهب وقواعده ، وأن يخاطبهم على هذا الأساس.
الثاني : أن يقصد المؤلف بكتابه كل قارىء لا قارئا مذهبيّا يتفق وإيّاه فحسب ، وهذا يدعوه إلى أن يعرض العلم عاما لا من وجهة نظر معيّنة ، فيأتي بما في كل موطن علمي من الآراء والأدلّة ، وله بعد ذلك أن يأخذ بما يترجح لديه ، ولكن بعد أن يكون قد أشرك قارئه معه في التجوال بين الآراء ، واستعراض مختلف وجهات النّظر.
وهذا المنهج أعمّ فائدة ، وأدنى إلى خدمة الحق والإخلاص للعلم ، والكتب المؤلّفة على أساسه أقرب إلى أن تكون «إسلاميّة عامّة» ليست لها جنسيّة طائفيّة أو مذهبية.
بيد أن المؤلفين يتفاوتون في هذا النّهج ، فمنهم من يخلص له إخلاصا عميقا ، فتراه يدور مع الحق أينما دار ، يأخذ بمذهبه تارة ، ويأخذ بغير هذا المذهب تارة أخرى.
وإذا عرض المذاهب المختلفة عرضها بأمانة ودقّة ، كأنّه ينطق أصحابها ويسمع قراءه ما يقولون دون أن يلوي القول ، أو يحرّف الكلم عن مواضعه ، أو يغمز أو يلمز صرفا عن الرأي وتهويلا عليه.
ومنهم : من يكون في إخلاصه للعلم دون ذلك ، على مراتب