وأما الإمام الزمخشري في كتابه «الكشاف» فقد عرض لهذا الموضوع في تفصيل أكبر ، وضرب له كذلك أمثلة من الشعر والكلام العربي ، وأورد فيه بعض الأسئلة وردّ عليها ، ومع كون الفكرة الّتي يؤيّدها الإمام الزمخشري ، هي نفس الفكرة التي رأينا الإمام الطبرسي يؤيّدها ، فإن عبارة الزمخشري أوسع وأشمل ، وأمثلته من الشعر أوضح في بيان المقصود ، وتخريجه العربي لهذا التعبير مبني على دراسة فنيّة مقررة المبادىء بين العلماء ، فلو كان الطبرسي قد اطلع على كتابه «الكشاف» لكان قد أيّد ما ذهب إليه بما ذكره الزمخشري نقلا عنه أو تلخيصا له ، ولكننّا لا نجد بين العبارات في الكتابين تلاقيا إلّا على الفكرة ، أما الأمثلة والعرض واسلوب البحث فمختلفة.
والآن نورد نصّ الإمام الزمخشري كما أوردنا نصّ الإمام الطبرسي ، وندع للقراء أن يتأمّلوا النّصين ، على ضوء ما قلناه فسيتّضح لهم أن الطبرسي قطعا لم ير «الكشاف» وهو يؤلف : «مجمع البيان».
قال الزمخشري :
«فإن قلت ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت :
لا ختم ولا تغشية ثمّ على الحقية ، وإنّما هو من باب المجاز ، ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه ، وهما : الاستعارة والتمثيل.
أمّا الاستعارة فأن تجعل قلوبهم ـ لأن الحق لا ينفذ فيها ، ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه ، واستكبارهم عن قبوله واعتقاده ـ وأسماعهم ـ لأنّها تمجّه ، وتنبو عن الإصغاء إليه ، وتعاف استماعه ـ كانها مستوثق منها بالختم وأبصارهم ـ لأنّها لا تجتلي آيات الله المعروضة ، ودلائله المنصوبة ، كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين ـ كأنّما غطّي عليها ، وحجبت بينها وبين الإدراك.