وأما التمثيل فأن تمثل ـ حيث لم ينتفعوا بها في الأغراض الّتي كلفوها ، وخلقوا من أجلها ـ بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية ، وقد جعل بعض المازنيّين الحبسة في اللّسان والعيّ ختما عليه فقال :
ختم الإله على لسان عذافر |
|
ختما فليس على الكلام بقادر |
وإذا أراد النطق خلت لسانه |
|
لحما يحرّكه لصقر ناقر! |
«فإن قلت» لم أسند الختم إلى الله تعالى ، وإسناده إليه يدّل على المنع من قبول الحق ، والتوصل إليه بطرقه ، وهو قبيح ، والله يتعالى عن فعل القبيح علوّا كبيرا ، لعلمه بقبحه ، وعلمه بغناه عنه ، وقد نصّ على تنزيه ذاته بقوله : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ، إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) ونظائر ذلك ممّا نطق به التنزيل؟
قلت : القصد إلى صفة القلوب بأنّها كالمختوم عليها.
وأمّا إسناد الختم إلى الله عزوجل ؛ فلينبّه على أن هذه الصّفة في فرط تمكنّها ، وثبات قدمها كالشيء الخلقي غير العرضي.
ألا ترى : إلى قولهم فلان مجبول على كذا ، ومفطور عليه ، ويريدون أنّه بليغ في الثبات عليه ، وكيف يتخيّل ما خيّل إليك وقد وردت الآية ناعية على الكفّار شناعة صفتهم ، وسماجة حالهم ، ونيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم.
ويجوز أن تضرب الجملة كما هي ـ وهي ختم الله على قلوبهم ـ مثلا : كقولهم سال به الوادي إذا هلك ، وطارت العنقاء ، إذا أطال الغيبة ، وليس للوادي ولا للعنقاء عمل في هلاكه ، ولا في طول غيبته ، وإنّما هو تمثيل : مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي ، وفي