طول غيبته بحال من طارت به العنقاء ، فكذلك مثّلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي عن الحق ، بحال قلوب ختم الله عليها ، نحو قلوب الأغتام (١) التي هي في خلوّها من الفطن كقلوب البهائم ، أو بحال قلوب البهائم أنفسها ، أو بحال قلوب مقدر ختم الله عليها حتى لا تعي شيئا ولا تفقه ، وليس له عزوجل فعل في تجافيها عن الحق ، ونبوها عن قبوله ، وهو متعال عن ذلك.
ويجوز أن يستعار الإسناد في نفسه من غير الله ، فيكون الختم مسندا إلى اسم الله على سبيل المجاز ، وهو لغيره حقيقة ، تفسير هذا أن للفعل ملابسات شتّى : يلابس الفاعل ، والمفعول به ، والمصدر ، والزمان ، والمكان ، والمسبّب له ، فإسناده إلى الفاعل حقيقة ، وقد يسند إلى هذه الأشياء عن طريق المجاز المسمّى استعارة ، وذلك لمضاهاتها للفاعل في ملابسة الفعل ، كما يضاهي الرجل الأسد في جراءته ، فيستعار له اسمه ، فيقال في المفعول به : عيشة راضية ، وماء دافق ، وفي عكسه : سيل مفعم ، وفي المصدر : شعر شاعر ، وذيل ذائل ، وفي الزمان : نهاره صائم ، وليله قائم ، وفي المكان : طريق سائر ، ونهر جار ؛ وأهل مكة يقولون : صلّى المقام ، وفي المسبب : بنى الأمير المدينة ، وناقة ضبوت ، وحلوب» (٢) الخ.
هذا هو نص كلام الزمخشري في الكشاف ، وبينه وبين كلام الطبرسي فرق بعيد ، ومثل هذا هو الّذي جعل مؤلف «مجمع البيان» لا
__________________
(١) جمع أغتم ، وأصل الغتمة اللّون المائل إلى السواد ، كأنه وصف به من ليس له قلب صاف ، قال المؤلف في كتابه : «أساس البلاغة» فلان أغتم ، من قوم غتم ، وأغتام ، وفيه غتمة ، وهي العجمة في المنطق من الغتم ، وهو الأخذ بالنّفس.
(٢) ضبت بالشيء وعليه : قبض شديدا ، وهو مثله في الوزن أيضا ، فالناقة الضبوت ضد الناقة الحلوب.