يقنع بما وصل إليه ، حتى يصله بما جدّ له من العلم ، فيخرج ما أخرج من كتاب جديد ، جمع فيه بين الطريف والتليد!.
***
إنّني أقف هنا موقف الإكبار والإجلال لهذا الخلق العلمي ، بل لهذه العظمة في الإخلاص للعلم والمعرفة ، فهذا الصنيع يدلّ على أنّ الرجل كان قد بلغ حبّ الدراسات القرآنية حدا كبيرا ، فهو يتابعها في استقصاء ، ثم يجهد نفسه في تسجيلها ، وترتيبها على هذا النحو الفريد الّذي ظهر في «مجمع البيان» ، ثم لا يكتفي بما بذلك في ذلك من جهد كفيل بتخليد ذكره ، حتّى يضيف ما جدّ له بعد أن انتهى من تأليف كتابه ، ولعله حينئذ كان قد بلغ السبعين أو جاوزها!.
إن هذا الّلون من المتابعة ومن النشاط العقلي ، أو المراقبة العلمية العقلية لفن من الفنون ، وما كان منه ، وما جدّ فيه ، وما يمكن أن يضاف إليه ؛ هو السمة الأولى التي يتّسم بها العالم المخلص المحب لما يدرس ، الّذي يؤمن بالعلم ، ويعرف أن بابه لم يقفل ، وأنه ليس لأحد أن يزعم أنه قال في شيء منه الكلمة الأخيرة ، فهو يتابع «السوق العلمية» إن صحّ هذا التمثيل ، ويراقبها مراقبة الهواه الّذين يحرصون على اقتناء الطرف والتحف ، ونحن نجد هذا الخلق العلمي في عصرنا الحاضر هو الذروة التي وصل إليها علماء الاختراع والكشف ، فإن من تقاليد العلم المقدسة أن تراقب الدراسات ، وتعرف التطورات ، وأن يتّجه النّظر إلى جديد يعرف به لا أن يتجمد تجاه ما عرف.
إن هذا السلوك العلمي الرفيع الّذي يوحي به القرآن الكريم ، فإن الله تعالى يقول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ، ويأمر رسوله بأن يستزيده من العلم ، ويجعله من أعزّ آماله التي يتوجه فيها بالدعاء إلى ربّه فيقول :