فقال عمر : لكنّي أعرف حيث مفزعها ، وأين منزعها.
قالوا : «كأنّك أردت ابن أبي طالب».
قال : «نعم ، وأين المذهب عنه؟».
قالوا : «فابعث إليه يأتك!».
فقال : «لا ، له شمخة من هاشم ، وأثرة من علم ، يؤتى لها ، ولا يأتي ، وفي بيته يؤتى الحكم ، فقوموا بنا إليه».
فأتينا إليه ، فوجدناه في حائط يركل فيه على مسحاة ويقرأ : «أيحسب الانسان أن يترك سدى؟» ويبكي ، فأمهلوه حتى سكن ، ثم استأذنوا عليه ، فخرج إليهم ، وعليه قميص قدّ نصف أردانه.
فقال : «يا عمر! ما الذي جاء بك؟»
فقال : «أمر عرض!».
وأمرني فقصصت عليه.
فقال : «فيم حكمت فيها؟».
قلت : «لم يحضرني فيها حكم».
فأخذ بيده من الأرض شيئا ثم قال : «الحكم أهون من هذا!».
ثم استحضر الامرأتين ، وأحضر قدحا ثم دفعه إلى إحداهما فقال : «احلبي فيه» فحلبت ، ثم وزن القدح ، ودفعه إلى الاخرى فقال : «احلبي فيه» فحلبت فيه ، ثم وزنه. فقال لصاحبة اللبن الخفيف : امضي وخذي ابنتك ، ولصاحبة اللبن الثقيل :
خذي ابنك.
ثم التفت (ع) إلى عمر فقال : «أما علمت أنّ لبن الجارية على النصف من لبن الغلام؟ وأنّ ميراثها نصف ميراثه؟ وأنّ عقلها نصف عقله ، وأنّ شهادتها نصف شهادته!».
فقال عمر : «أرادك الحقّ ـ يا أبا الحسن ـ ولكن قومك أبوا ...».