هو زاده إلى الحياة الآخرة ، فإن تزود في دنياه بالأعمال الطيبة الصالحة ، وجد في الآخرة الحياة الطيبة الصالحة ، وإن تزود بالخبيث الكريه ، وجد هناك الحياة الخبيثة الكريهة.
قليل من الناس اولئك الذين يرحلون عن هذه الحياة الدنيا ، دون أن تنازعهم أنفسهم إلى التعلق بها والحنين إليها ، مهما كان سوء حظهم فيها ، وشقاؤهم بها ..
الناس جميعهم ـ إلّا هذه القلة القليلة ـ يتعلقون بالحياة راغبين في المزيد من البقاء فيها ، ولو أخذت منهم الأيام ، وألحت عليهم العلل ، وحطمتهم السنون .. فحب البقاء طبيعة كل حي ، وهو في الانسان طبيعة وإرادة معا .. طبيعة تدفعه إلى حفظ نفسه ، بالابقاء على ذاته أطول عمر ممكن ، وإرادة تخلقت في الانسان من اتصاله بالحياة ، واختلاطه بالأحياء ، وانفساح آماله بينهم ، وامتداد آثاره فيهم.
والموت هو الذي يقطع على الانسان حبل هذا الرجاء ، ويقتل في نفسه كل دواعي هذا الأمل في امتداد الحياة إلى غاية لا نهاية لها.
ومع هذا ، فقد رفض العقل الانساني منذ أول مرحلة من مراحل تفكيره أن يجعل الموت خاتمة نهائية لحياة الانسان .. وقد اتخذ لذلك عدة أساليب ، يخفف بها من سطوة العدم الذي يخيل إليه أنه سيحتويه بعد الموت .. فأقام المقابر لموتاه ، وسعى إليهم ـ في أوقات مختلفة ـ يناجيهم ، ويبثهم ما بصدره من حنين وأشواق ، حتى لكأنهم في سفر قد طال وهو ينتظر عودتهم ، ولقاءهم بعده .. ثم حول المقابر وعليها اقيمت التماثيل للموتى وتليت الأدعية ، وقدمت القرابين ، ليجد الميت في ذلك ما يهنأ به ويستريح إليه.
وهكذا ، أقام العقل الانساني حياة ـ على أية صورة ـ في عالم الموتى .. ولم يؤمن العقل أبدا بأن وراء الموت هذا العالم الذي يلفه العدم المطلق ، كما يتوهمه الماديون الذين عرفهم الناس جيلا بعد جيل.
ولقد كان أهم ما ميّز دين المصريين القدماء ، هو فكرة الخلود ، ووصل الانسان بعد الموت بحياة جديدة ، وتلك الفكرة هي جرثومة التفكير التي تخلقت منها