الديانة الفرعونية ، والتي قامت في ظلها حضارة الفراعنة.
وقد تنقلت هذه الفكرة في الانسانية ، وصحبت أطوار طفولتها ، وصباها ، وشبابها ، وكهولتها ، وتخلق من كل اولئك صورا وأشكالا للخلود ، بعضها ساذج يثير الضحك المشوب بالعطف والألم معا ، على اولئك الذين قدموا أنفسهم قربانا وثمنا للخلود ، وبعضها ذكي عبقري يكشف عن عظمة الانسان ، واستحقاقه للخلود.
ثم جاء دور الديانات السماوية ، فالتقت مع ذكاء الانسان وعبقريته ، وكشفت له عن حقيقة هذا الخلود الذي وقع في تفكيره ، واستقر في ضميره ، ولكنه لا يجد له الدليل الذي يقيمه مقام اليقين في كيانه ، فجاءته كلمات السماء بالبيان المبين عن الحياة الآخرة ، وما فيها من حساب ، وثواب ، وعقاب ، وجنة ونار.
فالديانات السماوية كلها تحمل إلى الناس عقيدة البعث والحساب والجزاء ، وتجعل الايمان بهذه العقيدة مقرونا بالايمان بالله ، ومكملا لهذا الايمان.
واتباع الديانات السماوية الثلاث اليوم ، الموسوية ، والعيسوية ، والاسلامية ، يؤمنون بالحياة الآخرة ، وبالحساب ، والجنة والنار ، ولكن مع اختلاف في المفاهيم والتصورات ..
هذه الشكوك والوساوس الشيطانية تطرح نفسها على الانسان ـ غالبا ـ بصيغة سؤال ملغوم ، وهو : كيف يمكن أن يبعث ويعاد ذلك الانسان الذي أكله الدود وبليت عظامه ، وأصبح ذرات صغيرة متناثرة ، إلى وضعه الأول قبل الموت؟
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (١).
سؤال ساذج وتفكير محدود شغل ذلك الانسان المسكين ، فلم يعد يتصور أو يفكر في بداية خلقته عند ما كان نطفة لا ترى بالعين المجردة ، وكيف تطورت بأمر الله؟ فأصبحت تدريجيا إنسانا كاملا في الصفات والخلقة ، يمتلك من الأجهزة المعقدة
__________________
(١) سورة يس : الآية ٧٨ ـ ٧٩.