.................................................................................................
______________________________________________________
الحقيقة ، لكون انتفاء موضوعه حينئذ بحكم الشارع لا بحسب الحقيقة ، لأنّ مؤدّيات ظواهر الكتاب والسنّة لمّا كانت بمنزلة الواقع بجعل الشارع كان العلم بها بمنزلة العلم بالواقع ، فترتّب على العلم بها أحكام العلم بالواقع. فكما أنّه مع العلم بالواقع ينتفي موضوع الحكم الظاهري ، كذلك مع العلم بالحكم المستفاد من ظواهر الكتاب مثلا ، غاية الأمر كون انتفائه هنا حكما وهناك حقيقة. وحينئذ تكون الأدلّة الاجتهاديّة الظنّية حاكمة على الاصول لا واردة عليها.
وعلى تقدير كون المراد من الجهل أعمّ من الجهل بالواقع وما هو بمنزلته ، قد يعتبر وصف الواقعيّة والظاهريّة بالنسبة إلى مؤدّيات الاصول التي هي أحكام ظاهريّة ، فيقال : إنّ شرب التتن مثلا له حكم واقعي مقرّر في نفس الأمر لا يختلف بالعلم والجهل ، وله مع الجهل بالواقع حكم ظاهري ، وهو ما يستفاد من البراءة ، وله حكم ظاهري آخر مع العجز عن ترجيح أدلّة البراءة على أدلّة الاحتياط في الموارد المختلف فيها ، وهو الحظر أو الإباحة على الخلاف في الأشياء المشتملة على منفعة خالية عن أمارة مفسدة ، كشمّ الطيب وأكل الفاكهة. وعلى القول بالإباحة فيها يتّحد الحكمان الظاهريّان ، فالبراءة والاحتياط بالنسبة إلى الواقع حكمان ظاهريّان ، وبالنسبة إلى الحظر والإباحة واقعيّان. وفي جميع هذه المراتب ينتفي موضوع الحكم الظاهري حقيقة أو حكما ـ على ما عرفت ـ بالعلم بالحكم الواقعي أو ما هو بمنزلته.
وكيف كان ، فقد ظهر ممّا قدّمناه وجه ما ادّعاه المصنّف رحمهالله من كون تقديم الأدلّة الاجتهاديّة الظنّية على الاصول من باب الحكومة دون التخصيص. وكذلك الوجه فيما فرّق بين ما لو قلنا باعتبار الاصول من باب الشرع أو العقل ، حيث تنزّل ممّا ذكرناه أوّلا ، فسلّم كون تقديمها عليها من باب التخصيص على الأوّل دون الثاني ، لأنّ المأخوذ في موضوع البراءة والاشتغال إذا قلنا باعتبارهما من باب الشرع هو عدم العلم بالواقع ، وهو لا يرتفع بالظنّ به وإن كان معتبرا شرعا.