وملخّص الجواب عن تلك الأخبار : أنّه لا ينبغي الشكّ في كون الأمر فيها للإرشاد ، من قبيل أوامر الأطبّاء المقصود منها عدم الوقوع في المضارّ ؛ إذ قد تبيّن فيها حكمة طلب التوقّف ، ولا يترتّب على مخالفته عقاب غير ما يترتّب على ارتكاب الشبهة أحيانا من الهلاك المحتمل فيها.
فالمطلوب في تلك الأخبار ترك التعرّض للهلاك المحتمل في ارتكاب الشبهة ، فإن كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الاخروي ـ كما لو كان التكليف متحقّقا
______________________________________________________
على الإرشاد الذي مقتضاه عدم ترتّب شيء على الأمر بالتوقّف سوى ما يترتّب على نفس الواقع على ما عرفت. فإذا لم يصحّ ذلك بالنسبة إلى الفتوى لا يصحّ بالنسبة إلى العمل أيضا ، وإلّا لزم استعمال اللفظ في معنيين ، أعني : استعمال الأمر بالتوقّف في الإرشاد بالنسبة إلى العمل ، وفي الإلزام المولوي بالنسبة إلى الفتوى ، وهو باطل. مع أنّ موثّقة عمّار : «كفّ واسكت ، إنّه لا يسعكم فيما نزل بكم ممّا لا تعلمون إلّا الكفّ عنه والتثبّت والردّ» ظاهر كالصريح في الإلزام بالكفّ عن القول. وما ذكره المصنّف رحمهالله مبنيّ على حمل التوقّف فيها على التوقّف من حيث العمل ، بل هو صريحه ، حيث قال فيما تقدّم من كلامه : «وظاهر التوقّف المطلق السكون وعدم المضيّ ، فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل ...» إلى آخر ما ذكره. وقد عرفت ضعفه.
ثمّ إنّ حمل ما دلّ على كون المضيّ في الشبهة اقتحاما في الهلكة على صورة عدم معذوريّة الفاعل لا يخلو من نظر ، لصراحة بعض هذه الأخبار في صورة كون الشبهة في الموضوع التي لا يجب فيها الاحتياط باتّفاق من المجتهدين والأخباريّين ، مثل قول مولانا الصادق عليهالسلام : «إنّك إذا بلغك قد رضعت من لبنها ، أو أنّها لك محرّمة ، وما أشبه ذلك ، فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من اقتحام الهلكة ...». فلا بدّ من حمل الهلكة في هذه الأخبار على المفاسد الدنيويّة ، أو الأعمّ منها ومن الاخرويّة سوى العقاب.