فعلا في موارد الشبهة نظير الشبهة المحصورة ونحوها ، أو كان المكلّف قادرا على الفحص وإزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليهالسلام أو الطرق المنصوبة ، أو كانت الشبهة من العقائد و (*) الغوامض التي لم يرد الشارع التديّن به بغير علم وبصيرة ، بل نهى عن ذلك بقوله عليهالسلام : «إنّ الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا ، فلا تتكلّفوها ؛ رحمة من الله لكم» ، فربّما يوقع تكلّف (**) التديّن فيه بالاعتبارات العقليّة أو الشواذّ النقليّة إلى العقاب بل إلى الخلود فيه إذا وقع التقصير في مقدّمات تحصيل المعرفة في تلك المسألة ـ ففي هذه المقامات ونحوها يكون التوقّف لازما عقلا وشرعا من باب الإرشاد ، كأوامر الطبيب بترك المضارّ.
وإن كان الهلاك المحتمل مفسدة اخرى غير العقاب ـ سواء كانت دينيّة كصيرورة المكلّف بارتكاب الشبهة أقرب إلى ارتكاب المعصية ، كما دلّ عليه غير واحد من الأخبار المتقدّمة أم دنيويّة كالاحتراز عن (***) أموال الظلمة (١٢٠٤) ـ فمجرّد احتماله لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا ، والمفروض أنّ الأمر بالتوقّف في هذه الشبهة لا يفيد استحقاق العقاب على مخالفته ؛ لأنّ المفروض كونه للارشاد ، فيكون المقصود منه التخويف عن لحوق غير العقاب من المضارّ المحتملة ، فاجتناب هذه الشبهة لا يصير واجبا شرعيّا بمعنى ترتّب العقاب على ارتكابه.
وما نحن فيه وهي الشبهة الحكميّة التحريميّة من هذا القبيل ؛ لأنّ الهلكة المحتملة فيها لا تكون هي المؤاخذة الاخروية باتّفاق الأخباريّين ؛ لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرّد مخالفة الحرمة الواقعيّة المجهولة وإن زعموا ثبوت العقاب من جهة بيان التكليف في الشبهة بأوامر التوقّف والاحتياط ، فإذا لم يكن المحتمل فيها هو العقاب الاخروي
______________________________________________________
١٢٠٤. هذا ليس مثالا للمفسدة الدنيويّة ، بل لما فيه ذلك ، بناء على كون أكل أموال الظلمة مورثا لقساوة القلب التي هي من الصفات الذميمة.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «و» ، أو.
(**) في بعض النسخ : بدل «تكلّف» ، تكليف.
(***) في بعض النسخ : بدل «كالاحتراز عن» ، كارتكاب.