كان حالها حال الشبهة الموضوعيّة ـ كأموال الظلمة والشبهة الوجوبيّة ـ في أنّه لا يحتمل فيها إلّا غير العقاب من المضارّ ، والمفروض كون الأمر بالتوقّف فيها للإرشاد والتخويف عن تلك المضرّة المحتملة.
وبالجملة فمفاد هذه الأخبار بأسرها التحذير عن التهلكة (*) المحتملة ، فلا بدّ من إحراز احتمال التهلكة عقابا كانت أو غيره ، وعلى تقدير إحراز هذا الاحتمال لا إشكال ولا خلاف في وجوب التحرّز عنه إذا كان المحتمل عقابا ، واستحبابه إذا كان غيره ؛ فهذه الأخبار لا تنفع في إحداث هذا الاحتمال ولا في حكمه.
فإن قلت : إنّ المستفاد منها احتمال التهلكة في كلّ محتمل التكليف ، والمتبادر من التهلكة في الأحكام الشرعيّة الدينيّة هي الاخرويّة ، فتكشف هذه الأخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لأجل الجهل ، ولازم ذلك إيجاب الشارع للاحتياط (**) ؛ إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح. قلت : إيجاب الاحتياط إن كان مقدّمة للتحرّز عن العقاب الواقعي فهو مستلزم لترتّب العقاب على التكليف المجهول ، وهو قبيح كما اعترف به ، وإن كان حكما ظاهريّا نفسيّا فالهلكة الاخروية مترتّبة على مخالفته لا مخالفة الواقع ، وصريح الأخبار إرادة الهلكة الموجودة في الواقع على تقدير الحرمة الواقعيّة.
هذا كلّه ، مضافا إلى دوران الأمر في هذه الأخبار بين حملها على ما ذكرنا وبين ارتكاب التخصيص فيها بإخراج الشبهة الوجوبيّة والموضوعيّة. وما ذكرنا أولى (١٢٠٥).
______________________________________________________
١٢٠٥. للزوم التخصيص على تقدير حمل الأمر في أخبار التوقّف على الوجوب الشرعيّ.
لا يقال : إنّ التخصيص وإن كان خلاف الأصل ، إلّا أنّ حمل الأمر على الإرشاد أيضا خلاف الظاهر ، سيّما حمله على الأعمّ من الإرشاد الإلزامي وغيره كما في المقام ، إذ لا ريب في كونه مجازا.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «التهلكة» ، الهلكة.
(**) في بعض النسخ : بدل «للاحتياط» ، الاحتياط.