موضوعه بالشكّ في الحكم الواقعي يظهر لك وجه تقديم الأدلّة على الاصول ؛ لأنّ موضوع الاصول يرتفع بوجود الدليل ، فلا معارضة بينهما ، لا لعدم اتّحاد الموضوع ، بل لارتفاع موضوع الأصل ـ وهو الشكّ ـ بوجود الدليل. ألا ترى أنّه لا معارضة ولا تنافي بين كون حكم شرب التتن المشكوك حكمه هي الإباحة وبين كون حكم شرب التتن في نفسه مع قطع النظر عن الشكّ فيه هي الحرمة ، فإذا علمنا بالثاني لكونه علميّا والمفروض (*) سلامته عن معارضة الأوّل ، خرج شرب التتن عن موضوع دليل الأوّل وهو كونه مشكوك الحكم ، لا عن حكمه حتّى يلزم فيه تخصيص وطرح لظاهره. ومن هنا كان إطلاق التقديم والترجيح في المقام تسامحا ؛ لأنّ الترجيح فرع
______________________________________________________
فإن قلت : إنّ اعتبار الاستصحاب عند الأكثر إنّما هو من جهة إفادته الظنّ بالحكم السابق. وإليه أشار العضدي في تعريفه بأنّ الشيء الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء. وحينئذ يجب إدخاله في الأدلّة الاجتهاديّة مثل ظواهر الكتاب والسنّة ، فما وجه تقديم سائر الأدلّة عليه عند التعارض؟
قلت : إنّ الوجه في تقديمها عليه على القول باعتباره من باب الظنّ أنّه إنّما يفيد الظنّ في مورد الشكّ ، بمعنى أنّ الشاكّ في بقاء الحكم السابق يحصل له الظنّ ببقائه بملاحظة كونه متيقّنا في السابق ، وحينئذ تكون سائر الأدلّة الاجتهاديّة واردة عليه.
ولكن يشكل ذلك بأنّ مقتضاه عدم العمل به في مقابل سائر الأمارات المشكوكة الاعتبار ، وهو خلاف ما استقرّت عليه طريقة الفقهاء ، لعملهم بالاصول في مقابلها. والإنصاف أنّ هذا الإشكال وارد على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ الشخصي ، لا على الجواب المذكور.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «المفروض» ، ولفرض.