والظاهر أنّ حكم العقل بالاحتياط من حيث هو احتياط ـ على تقدير (*) كونه إلزاميّا ـ لمحض الاطمئنان ودفع احتمال العقاب ، وكما أنّه إذا تيقّن بالضرر يكون إلزام العقل لمحض الفرار عن العقاب المتيقّن ، فكذلك طلبه الغير الإلزامي إذا احتمل الضرر.
بل وكما أنّ أمر الشارع بالإطاعة في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) (٤٠) لمحض الإرشاد ؛ لئلّا يقع العبد في عقاب المعصية ويفوته ثواب الطاعة ولا يترتّب على مخالفته سوى ذلك فكذلك أمره بالأخذ بما يأمن معه من الضرر ، ولا يترتّب على موافقته سوى الأمان المذكور ، ولا على مخالفته سوى الوقوع في الحرام الواقعي على تقدير تحقّقه.
ويشهد لما ذكرنا أنّ ظاهر الأخبار حصر حكمة الاجتناب عن الشبهة في التفصّي عن الهلكة الواقعيّة لئلّا يقع فيها من حيث لا يعلم. واقترانه (١٢٥٣) مع الاجتناب عن الحرام المعلوم في كونه ورعا ، ومن المعلوم أنّ الأمر باجتناب المحرّمات في هذه الأخبار ليس إلّا للإرشاد ، لا يترتّب على موافقتها ومخالفتها سوى الخاصيّة الموجودة في المأمور به ـ وهو الاجتناب عن الحرام ـ أو فوتها ، فكذلك الأمر باجتناب الشبهة لا يترتّب على موافقته سوى ما يترتّب على نفس الاجتناب لو لم يأمر به الشارع ، بل فعله المكلّف حذرا من الوقوع في الحرام.
______________________________________________________
١٢٥٣. معطوف على قوله : «ظاهر الأخبار». والضمير عائد إلى الاجتناب عن الشبهات. وحاصله : أنّ الاجتناب عن الشبهات في أخبار الاحتياط مقترن بالاجتناب عن المحرّمات المعلومة في كون كلّ منهما ورعا ، كما في رواية فضيل بن عياض المتقدّمة في كلام المصنّف رحمهالله. ولا ريب في كون الثاني للإرشاد ، فكذلك الأوّل بقرينة المقارنة.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : بدل «تقدير» ، عدم.