حيث إنّه جاهل بالحكم ـ من الفعل ، فلا يعقل إباحته له واقعا ؛ لأنّ معنى الإباحة الإذن والترخيص ، فتأمّل (١٢٦٢).
ويحتمل الفرق بأنّ القائل بالحرمة الظاهريّة يحتمل أن يكون الحكم في الواقع هي الإباحة ، إلّا أنّ أدلّة الاجتناب عن الشبهات حرمتها ظاهرا ، والقائل بالحرمة الواقعيّة إنّما يتمسّك في ذلك بأصالة الحظر في الأشياء من باب قبح التصرّف فيما يختصّ بالغير بغير إذنه ويحتمل الفرق بأنّ معنى الحرمة الظاهريّة حرمة الشيء في الظاهر فيعاقب عليه مطلقا وإن كان مباحا في الواقع ، والقائل بالحرمة الواقعيّة يقول بأنّه لا حرمة ظاهرا أصلا ، فإن كان في الواقع حراما استحقّ المؤاخذة عليه وإلّا فلا ، وليس معناها أنّ المشتبه حرام واقعا بل معناه أنّه ليس فيه إلّا الحرمة الواقعيّة على تقدير ثبوتها ، فإنّ هذا أحد الأقوال للأخباريّين في المسألة على ما ذكره العلّامة الوحيد المتقدّم في موضع آخر ، حيث قال ـ بعد ردّ خبر التثليث المتقدّم : بأنّه لا يدلّ على الحظر أو وجوب التوقّف ، بل مقتضاه أنّ من ارتكب الشبهة واتّفق كونها حراما في الواقع يهلك لا مطلقا ـ : ويخطر بخاطري أنّ من الأخباريّين من يقول بهذا المعنى (٤٢) ، انتهى.
ولعلّ هذا القائل اعتمد في ذلك على ما ذكرنا سابقا من أنّ الأمر العقلي والنقلي بالاحتياط للإرشاد من قبيل أوامر الطبيب لا يترتّب على موافقتها ومخالفتها عدا ما يترتّب على نفس الفعل المأمور به أو تركه لو لم يكن أمر. نعم ، الإرشاد على مذهب هذا الشخص على وجه اللزوم ـ كما في بعض أوامر الطبيب ـ لا للأولويّة
______________________________________________________
١٢٦٢. وجه التأمّل واضح ، لأنّ منع الشارع المكلّف من الفعل من حيث كونه جاهلا بحكمه وإن كان منافيا لرخصته في الفعل من هذه الحيثيّة ، إلّا أنّ هذا بمجرّده لا يوجب تسمية مثل هذا حكما واقعيّا ، لأنّ الظاهر من الحكم الواقعي ما يعرض الفعل من حيث نفسه في الواقع ، لا من حيث كونه مجهول الحكم ، لأنّه مرحلة الظاهر ، ففرض مجهول الحكم موضوعا واقعيّا بمعنى كونه أمرا ثابتا في الواقع لا يوجب تسمية ما يعرضه حكما واقعيّا.