ويظهر من المحقّق والشهيد الثانيين (٤٣) قدسسرهما فيما إذا شكّ في حيوان متولّد من طاهر ونجس لا يتبعهما في الاسم وليس له مماثل : أنّ الأصل فيه الطهارة والحرمة. فإن كان الوجه فيه أصالة عدم التذكية ، فإنّما يحسن مع الشكّ في قبول التذكية وعدم عموم يدلّ على جواز تذكية كلّ حيوان إلّا ما خرج ، كما ادّعاه بعض (٤٤).
وإن كان الوجه فيه أصالة حرمة أكل لحمه قبل التذكية ، ففيه أنّ الحرمة قبل التذكية لأجل كونه من الميتة ، فإذا فرض إثبات جواز تذكيته خرج عن الميتة ، فيحتاج حرمته إلى موضوع آخر. ولو شكّ في قبول التذكية رجع إلى الوجه السابق ، وكيف كان فلا يعرف وجه لرفع اليد عن أصالة الحلّ والإباحة.
نعم ، ذكر شارح الروضة هنا وجها آخر ونقله بعض محشّيها عن الشهيد في تمهيد القواعد. قال شارح الروضة : إنّ كلّا من النجاسات والمحلّلات محصورة ، فإذا لم يدخل في المحصور منها كان الأصل طهارته وحرمة لحمه ، وهو ظاهر ، انتهى. ويمكن منع حصر المحلّلات بل المحرّمات محصورة ، والعقل والنقل دلّ على إباحة ما لم يعلم حرمته ؛ ولذا يتمسّكون كثيرا بأصالة الحلّ في باب الأطعمة والأشربة.
ولو قيل إنّ الحلّ إنّما علّق بالطيّبات في قوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) (٤٥) (١٢٦٥) المفيد للحصر في مقام الجواب عن الاستفهام ، فكلّ ما شكّ في كونه طيّبا فالأصل عدم إحلال الشارع له.
قلنا إنّ التحريم محمول في القرآن على «الخبائث» و «الفواحش» ، فإذا شكّ فيه فالأصل عدم التحريم ، ومع تعارض الأصلين يرجع إلى أصالة الإباحة وعموم قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) (٤٦) وقوله عليهالسلام : «ليس الحرام إلّا ما حرّم
______________________________________________________
١٢٦٥. تتمّة الآية : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (*) الآية.
__________________
(*) هذا غفلة من المحشّي قدسسره ، والعصمة لله وحده ، فالآية المذكورة في المتن هي الآية الرابعة من سورة المائدة ، وتتمّتها : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ ...). والآية التي أشار إليها المحشّي هي الآية (١٥٧) من سورة الأعراف ، وهي : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.) لا : حرّم لكم الخبائث.