العلوم ، فإن اشتبه عليّ شيء عملت بالاحتياط ، أفيزلّ قدم هذا العبد عن الصراط ويقابل بالإهانة والإحباط ، فيؤمر به إلى النار ويحرم مرافقة الأبرار؟ هيهات هيهات! أن يكون أهل التسامح والتساهل في الدين في الجنّة خالدين وأهل الاحتياط في النار معذّبين (٤٧) ، انتهى كلامه.
أقول : لا يخفى على العوامّ فضلا عن غيرهم أنّ أحدا لا يقول بحرمة الاحتياط ولا ينكر حسنه وأنّه سبيل النجاة. وأمّا الإفتاء بوجوب الاحتياط فلا إشكال في أنّه غير مطابق للاحتياط لاحتمال حرمته ، فإن ثبت وجوب الإفتاء فالأمر يدور بين الوجوب والحرمة ، وإلّا فالاحتياط في ترك الفتوى ، وحينئذ فيحكم الجاهل بما يحكم به عقله ، فإن التفت إلى قبح العقاب من غير بيان لم يكن عليه بأس في ارتكاب المشتبه ، وإن لم يلتفت إليه واحتمل العقاب كان مجبولا على الالتزام بتركه ، كمن احتمل أنّ فيما يريد سلوكه من الطريق سبعا.
وعلى كلّ تقدير فلا ينفع قول الأخباريّين له : إنّ العقل يحكم بوجوب الاحتياط من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ، ولا قول الاصولي له : إنّ العقل يحكم بنفي البأس مع الاشتباه. وبالجملة فالمجتهدون لا ينكرون على العامل بالاحتياط ، والافتاء بوجوبه من الأخباريّين نظير الافتاء بالبراءة من المجتهدين ، ولا متيقّن من الأمرين في البين ، ومفاسد الالتزام بالاحتياط ليست بأقل من مفاسد ارتكاب المشتبه ، كما لا يخفى ، فما ذكره هذا الأخباري من الإنكار لم يعلم توجّهه إلى أحد ، والله العالم وهو الحاكم.
المسألة الثانية : ما إذا كان دوران حكم الفعل بين الحرمة وغير الوجوب من جهة إجمال النصّ : إمّا بأن يكون اللفظ (١٢٦٨) الدالّ على الحكم مجملا ، كالنهي
______________________________________________________
الإفتاء بوجوب الاحتياط وحرمة العمل بالبراءة وفي عدم جوازه ، وكون مقتضى الأصل هو جواز العمل بالبراءة. وشيء منهما كما أفاده المصنّف رحمهالله ـ ليس بمتيقّن حتّى يؤخذ به ويطعن على من أخذ بخلافه.
١٢٦٨. حاصله : أنّ إجمال النصّ تارة يكون من جهة إجمال ما دلّ على