ثمّ قال : ومنها : أنّ اجتناب الحرام واجب عقلا ونقلا ، ولا يتمّ إلّا باجتناب ما يحتمل التحريم ممّا اشتبه حكمه الشرعيّ ومن الأفراد الغير الظاهرة الفرديّة ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به وكان مقدورا فهو واجب ، إلى غير ذلك من الوجوه. وإن أمكن المناقشة في بعضها ، فمجموعها دليل كاف شاف في هذا المقام ، والله أعلم بحقائق الأحكام (٦) ، انتهى.
أقول : الدليل المذكور أولى بالدلالة على وجوب الاجتناب عن الشبهة في طريق الحكم ، بل لو تمّ لم يتمّ إلّا (١٣١٦) فيه ؛ لأنّ وجوب الاجتناب عن الحرام لم يثبت إلّا بدليل حرمة ذلك الشيء أو أمر وجوب إطاعة الأوامر والنواهي ممّا ورد في الشرع وحكم به العقل ، فهي كلّها تابعة لتحقّق الموضوع أعني الأمر والنهي ، والمفروض الشكّ في تحقّق النهي ، وحينئذ : فإذا فرض عدم الدليل على الحرمة ، فأين وجوب ذي المقدّمة حتّى يثبت وجوبها؟
______________________________________________________
١٣١٦. فيه إشارة إلى عدم تماميّة الدليل المذكور لا في الشبهات الحكميّة ولا الموضوعيّة ، كما أشار إلى توضيحه عند بيان عدم وجوب الاحتياط في الشبهات الموضوعيّة. وعلى تقدير تسليم تماميّته إنّما يتمّ في الشبهات الموضوعيّة دون الحكميّة كما زعمه المحدّث الحرّ العاملي ، لحصول العلم التفصيلي فيها بالخطاب المقتضي لوجوب الاجتناب عن جميع مصاديقه ، بخلاف الشبهات الحكميّة ، للشكّ فيه فيها بالفرض ، فنفس الخطاب الواقعي المشكوك فيه فيها على تقدير وجوده في الواقع غير مقتض لوجوب الاجتناب.
وأمّا عموم ما دلّ على وجوب إطاعة الأوامر والنواهي من العقل والنقل ، فهي وإن شملت الخطابات الواقعيّة المشكوك فيها على تقدير وجودها في الواقع ، بل عموم تلك الأدلّة في الشمول للخطابات المشتبهة ، نظير الخطابات المفصّلة المعلومة في الشمول للمصاديق المشتبهة لكون الشبهة في الخطابات الواقعيّة بالنسبة إلى شمول قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) موضوعيّة أيضا ، إلّا أنّ