ومن هذا القسم : ما لم يرد فيه نصّ من الأحكام التي لا يعمّ بها البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الأصليّة ، فإنّ الحكم فيه ما ذكر ، كما سلف (٣) ، انتهى.
وممّن يظهر منه وجوب الاحتياط هنا المحدّث الأسترآبادي حيث حكي عنه في الفوائد المدنيّة أنّه قال : إنّ التمسّك بالبراءة الأصليّة من حيث هي هي إنّما يجوز قبل إكمال الدين ، وأمّا بعد تواتر الأخبار بأنّ كلّ واقعة محتاج إليها فيها خطاب قطعي من قبل الله تعالى ، فلا يجوز قطعا ؛ وكيف يجوز؟ وقد تواتر عنهم عليهمالسلام وجوب التوقّف فيما لم يعلم حكمها ، معلّلين بأنّه بعد أن كملت الشريعة لا تخلو واقعة عن حكم قطعي وارد من الله تعالى ، وبأنّ من حكم بغير ما أنزل الله تعالى فاولئك هم الكافرون.
ثمّ أقول : هذا المقام ممّا زلّت فيه أقدام أقوام من فحول العلماء ، فحريّ بنا أن نحقّق المقام ونوضّحه بتوفيق الملك العلّام ودلالة أهل الذكر عليهمالسلام ، فنقول التمسّك بالبراءة الأصليّة إنّما يتمّ عند الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح الذاتيّين ، وكذلك عند من يقول بهما (١٣٢٩) ولا يقول بالحرمة والوجوب الذاتيّين ، كما هو المستفاد من كلامهم عليهمالسلام ، وهو الحقّ عندي. ثمّ على هذين المذهبين إنّما يتمّ قبل إكمال الدين لا بعده إلّا على مذهب من جوّز من العامّة خلوّ الواقعة عن حكم وارد من الله تعالى.
لا يقال : بقي هنا أصل آخر ، وهو أن يكون الخطاب الذي ورد من الله تعالى
______________________________________________________
بأن تردّد بين احتمالي الوجوب والاستحباب ، فالواجب التوقّف في الحكم ، والاحتياط بالإتيان بذلك» إلى أن قال : «ومن هذا القسم أيضا ما تعارضت فيه الأخبار على وجه يتعذّر الترجيح بينها بالمرجّحات المنصوصة». ثمّ ساق الكلام إلى أن قال : «ومن هذا القسم أيضا ما لم يرد فيه نصّ» إلى آخر ما أورده في المتن. والقسم الثالث بإطلاقه يشمل ما كانت الشبهة فيه وجوبيّة أيضا.
١٣٢٩. أي : يقول بالحسن والقبح الذاتيّين ، ولا يقول بالملازمة بين حكم العقل والشرع ، ولو استنادا في ذلك إلى الشرع.