موافقا للبراءة الأصليّة. لأنّا نقول : هذا الكلام ممّا لا يرضى به لبيب ؛ لأنّ خطابه تعالى تابع للحكم والمصالح ومقتضيات الحكم والمصالح مختلفة. إلى أن قال : هذا الكلام ممّا لا يرتاب في قبحه ، نظير أن يقال : الأصل في الأجسام تساوي نسبة طبائعها إلى جهة السفل والعلوّ ، ومن المعلوم بطلان هذا المقال. ثمّ أقول : الحديث المتواتر بين الفريقين المشتمل على حصر الامور في ثلاثة ، وحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ونظائرهما ، أخرج كلّ واقعة لم يكن حكمها بيّنا عن البراءة الأصليّة وأوجب التوقّف فيها.
ثمّ قال ـ بعد أنّ الاحتياط قد يكون في محتمل الوجوب وقد يكون في محتمل الحرمة ـ : إنّ عادة العامّة والمتأخّرين من الخاصّة جرت بالتمسّك بالبراءة الأصليّة ، ولمّا أبطلنا جواز التمسّك بها في المقامين لعلمنا بأنّ الله تعالى أكمل لنا ديننا ، ولعلمنا بأنّ كلّ واقعة يحتاج إليها ورد فيها خطاب قطعي من الله تعالى خال عن المعارض ، ولعلمنا بأنّ كلّ ما جاء به نبيّنا صلىاللهعليهوآله مخزون عند العترة الطاهرة عليهمالسلام ، ولم يرخّصوا لنا في التمسّك بالبراءة الأصليّة فيما لم نعلم الحكم الذي ورد فيه بعينه ، بل أوجبوا التوقّف في كلّ ما لم يعلم حكمه وأوجبوا الاحتياط في بعض صوره فعلينا أن نبيّن ما يجب أن يفعل في المقامين وسنحقّقه فيما يأتي إن شاء الله تعالى (٤).
وذكر هناك ما حاصله : وجوب الاحتياط عند تساوي احتمالي الأمر الوارد بين الوجوب والاستحباب ، ولو كان ظاهرا في الندب بني على جواز الترك. وكذا لو وردت رواية ضعيفة (١٣٣٠) بوجوب شيء. وتمسّك في ذلك بحديث : «ما حجب الله علمه» وحديث : «رفع التسعة» ، قال : وخرج عن تحتهما كلّ فعل وجودي لم يقطع بجوازه ؛ لحديث التثليث.
______________________________________________________
١٣٣٠. يعني : يبني على جواز الترك. وأنت خبير بأنّ صريح هذا الكلام هو عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة ، مع عدم ورود دليل معتبر فيها ، فهو صريح في خلاف ما نسبه إليه أوّلا من وجوب الاحتياط فيها. ولا بأس بنقل كلامه في الفوائد حتّى يتّضح به جليّة الحال فيما نقل المصنّف رحمهالله محصّله عنه هنا.