أقول : قد عرفت فيما تقدّم في نقل كلام المحقّق قدسسره : أنّ التمسّك بأصل البراءة منوط بدليل عقلي هو قبح التكليف بما لا طريق إلى العلم به ، ولا دخل لإكمال الدين وعدمه ولا لكون الحسن والقبح أو الوجوب والتحريم عقليّين أو شرعيّين في ذلك.
والعمدة فيما ذكره هذا المحدّث من أوّله إلى آخره تخيّله أنّ مذهب المجتهدين التمسّك بالبراءة الأصليّة لنفي الحكم الواقعي ، ولم أجد أحدا يستدلّ بها على ذلك.
______________________________________________________
جمع من العامّة والخاصّة. ولك أن تقول : الفرض الأوّل والصورة الثالثة مندرجان تحت قوله عليهالسلام : «ما حجب الله علمه عن العباد موضوع عنهم». وقوله عليهالسلام : «رفع القلم عن تسعة أشياء» من جملتها : ما لا تعلمون ، فنحن معذورون ما دمنا متفحّصين. وخرج من تحتهما كلّ فعل وجودي لم نقطع بجوازه بالحديث المشتمل على حصر الامور في ثلاثة وبنظائره. ومن هنا ظهر عليك وانكشف لديك الفرق بين احتمال وجوب فعل وجودي وبين احتمال حرمته ، بأنّه لا يجب الاحتياط في المسألة الاولى ، ويجب الاحتياط في المسألة الثانية».
ثمّ نقل عن جماعة من متأخّري الخاصّة تبعا للعامّة كون أصالة البراءة مفيدة للظنّ بعدم الوجوب في الشبهة الوجوبيّة ، وبعدم التحريم في الشبهة التحريميّة ، وطعن فيه «بأنّ ذلك إنّما يتمّ قبل إكمال الشريعة أو بعده مع تجويز خلوّ بعض الوقائع عن حكم وارد من الله تعالى ، وكذا عند من لم يقل بالواجبات الذاتيّة ومحرّماتها» انتهى موضع الحاجة.
وحاصله : التفصيل في ما قطع بعدم حرمته بين ما ورد خبر ضعيف صريح في وجوبه ، وخبر صحيح ظاهر في الندب ، وبين ما ورد خبر صحيح فيه محتمل للوجوب والندب أو ظاهر في الوجوب ، بالقول بالبراءة في الأوّلين ، وبوجوب الاحتياط في الخبرين ، وهو مبنيّ على عدم الاعتداد بالظواهر. ويناسبه ما حكي عنه من دعوى كون أخبار الكتب الأربعة قطعيّة سندا ودلالة.