ثمّ إنّ الثمرة بين ما ذكرنا (١٣٥٢) وبين الاستحباب الشرعيّ تظهر في ترتّب الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستحبّات الشرعيّة ، مثل ارتفاع الحدث المترتّب على الوضوء المأمور به شرعا ؛ فإنّ مجرّد ورود خبر غير معتبر بالأمر به لا يوجب إلّا استحقاق الثواب عليه ، ولا يترتّب عليه رفع الحدث ، فتأمّل (١٣٥٣).
وكذا الحكم باستحباب (١٣٥٤) غسل المسترسل من اللحية في الوضوء من باب مجرّد الاحتياط ، لا يسوّغ جواز المسح ببلله ، بل يحتمل قويّا أن يمنع من المسح ببلله وإن قلنا بصيرورته مستحبّا شرعيّا ، فافهم.
______________________________________________________
١٣٥٢. يعني مع تسليم ترتّب الثواب الموعود على التقديرين. وربّما يتوهّم هنا وجود ثمرة اخرى أيضا ، وهي جواز الإفتاء بالاستحباب على القول به ، بخلافه على القول بحمل الأخبار المذكورة على الإرشاد وتأكيد حكم العقل ، لعدم جواز الإفتاء حينئذ لمقلّده فيما ورد خبر ضعيف على استحباب فعل بجواز فعله إلّا بعد بيان مدلول الخبر له ، وإرشاده إلى الإتيان بالفعل بداعي بلوغ الثواب.
وفيه : أنّه على تقدير حمل الأخبار المذكورة على بيان حكم العقل بحسن الاحتياط ، فقد تقدّم في كلام المصنّف رحمهالله عدم اعتبار الإتيان بالفعل بداعي احتمال الأمر أو الثواب عند بيان الاحتياط في العبادات ، وأشار إليه عند الجواب عن الإيراد الثاني ، وقد أسلفنا هناك ما تتبصّر بملاحظته هنا.
١٣٥٣. لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى إمكان منع كون كلّ وضوء مستحبّ شرعا رافعا للحدث ، ولذا قد تخلّف عنه كثيرا ، كاستحبابه للحائض وجماع المحتلم ونحوهما. ولكنّ الذي اختاره المصنّف رحمهالله في الفقه كون ارتفاع الحدث الأصغر لازما لطبيعة الوضوء في محلّ قابل له. والمسألة محلّ خلاف ، وتفصيلها محرّر في الفقه.
١٣٥٤. قال المصنّف رحمهالله في كتاب الطهارة عند شرح قول المحقّق : «ولو جفّ ما على يده أخذ من لحيته وأشفار عينه» : إنّ إطلاق اللحية في كلام المصنّف رحمهالله وغيره تبعا للنصوص ، من غير تقييد بظاهر ما كان في حدّ الوجه ، يحتمل أن يكون من جهة كون تخلّل باطن اللحية وغسل المسترسل منها مستحبّا.