لأنّ حكم الشكّ إمّا أن يكون ملحوظا فيه اليقين السابق عليه ، وإمّا أن لا يكون ، سواء لم يكن يقين سابق عليه أم كان ولم يلحظ ، والأوّل هو مورد الاستصحاب ، والثاني إمّا أن يكون الاحتياط فيه ممكنا أم لا ، والثاني مورد التخيير ، والأوّل إمّا أن يدلّ دليل عقلي أو نقلي على ثبوت العقاب بمخالفة الواقع المجهول وإمّا أن لا يدلّ ، والأوّل مورد الاحتياط ، والثاني مورد البراءة. وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ موارد الاصول قد تتداخل ؛ لأنّ المناط في الاستصحاب ملاحظة الحالة السابقة المتيقّنة ، ومدار الثلاثة الباقية على عدم ملاحظتها وإن كانت موجودة.
______________________________________________________
إن اختلفا بحسب المفهوم ، إذ المناط في حكم العقل بالبراءة هو مجرّد الشكّ في التكليف مع قطع النظر عن الحالة السابقة ، وفي الاستصحاب هو اليقين بالحالة السابقة والشكّ في بقائها ، فهما مختلفان مفهوما وإن اتّحدا موردا. وإن كان هذا خلاف المشهور ، إذ المعروف بين العلماء كون البراءة قسما من الاستصحاب ، فلاحظ المحقّق حيث قسّم في الفصل الثالث من مقدّمات المعتبر الاستصحاب إلى ثلاثة أقسام : استصحاب حال العقل ، وفسّره بالبراءة الأصليّة ، واستصحاب حال الشرع ، وهو أن يقال : عدم الدليل على كذا ، فيجب انتفائه.
وذكر الشهيد في الذكرى أصل البراءة في الأدلّة النقليّة وقال : ويسمّى استصحاب حال العقل. وقال الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : استصحاب الحال هو أربعة أقسام ، أحدها : استصحاب النفي في الحكم الشرعيّ إلى أن يرد دليل ، وهو المعبّر عنه بالبراءة الأصليّة. وقريب منه في قواعد الشهيد.
وفي المعارج : أطبق العلماء على أنّ مع عدم الدلالة الشرعيّة يجب إبقاء الحكم على ما يقتضيه البراءة الأصليّة ، ولا معنى للاستصحاب إلّا هذا. فإن قال : ليس هذا استصحابا ، بل هو إبقاء الحكم على ما كان ، لا حكما بالاستصحاب. قلنا : نحن نريد بالاستصحاب هذا القدر.
وقال في المعتبر : وأمّا الاستصحاب فأقسامه ثلاثة ، استصحاب حال العقل ، و