.................................................................................................
______________________________________________________
وفيه : أنّ الالتزام بعدم استحبابه ليس إلّا من جهة ما دلّ على حجيّة ذلك الدليل المعتبر ، وهو معارض بالأخبار المتقدّمة ، وإن سلّمنا أنّها لا تثبت حجّية الخبر الضعيف ، بل مجرّد استحباب فعل ما بلغ عليه الثواب ، إذ لا مدخل لهذا التعبير في المعارضة ، فإنّ معنى حجّية الخبر الصحيح تنزيله منزلة الواقع ، ولا معنى لذلك إلّا جعل مضمونه ـ أعني : عدم الاستحباب ـ حكما للمكلّف في مرحلة الظاهر ، ومضمون تلك الأخبار جعل الاستحباب حكما له في الظاهر.
وأمّا تنزيل هذا الدليل المعتبر بمنزلة القطع في عدم جواز العمل بتلك الأخبار في مقابلة فهو ضعيف جدّا ، لأنّ الأخبار المتقدّمة من جهة اختصاصها ـ كالفتاوى ـ بغير صورة القطع لا تجري في صورة القطع ، فكأنّ الشارع قال : إنّ من بلغه الثواب على عمل ولم يقطع بكذبه يستحبّ له ذلك العمل. والدليل المعتبر إنّما هو بمنزلة القطع بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة المجعولة المتعلّقة للقطع ، لا بالنسبة إلى الأحكام المترتّبة على نفس صفة القطع ، كيف ولو كان كذلك لم يحسن الاحتياط مع وجود الدليل المعتبر ، لأنّه بمنزلة القطعي الذي لا احتياط معه. وكذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام قاطعا بحياة ولده ، فزال قطعه بها مع دلالة الدليل المعتبر ـ كالاستصحاب أو البيّنة ـ عليها ، فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم وجوب الصوم. والسرّ في ذلك كلّه أنّ الشارع نزّل المظنون بالأدلّة المعتبرة منزلة الواقع المقطوع به ، فيترتّب عليه آثار الواقع المحتمل المقابل للمظنون منزلة غير الواقع المقطوع بعدمه ، لا أنّه نزّل صفة الظنّ منزلة صفة القطع ، ونزّل نفس الاحتمال المرجوع منزلة القطع بالعدم. فالتنزيلات الشرعيّة في الأدلّة الغير العلميّة بالنسبة إلى المدرك لا الإدراك. فالتسامح والاحتياط وعدم وجوب الصوم في الأمثلة المذكورة تابعة لنفس الاحتمال ، وعدم القطع لا يرتفع بما دلّ على اعتبار الأدلّة الظنّية ، ولذا لا ينكر الاحتياط مع قيام الأدلّة المعتبرة والعجب ممّن أنكر التسامح في المقام ، مع أنّه تمسّك لإثباته بقاعدة الاحتياط.