الوجوب والحرمة من الأحكام ، فيعلم بملاحظة ما ذكرنا. وملخّصه أنّ دوران الأمر بين طلب الفعل أو الترك وبين الإباحة نظير المقامين الأوّلين ، ودوران الأمر بين الاستحباب والكراهة نظير المقام الثالث. ولا إشكال في أصل هذا الحكم ، إلّا أنّ إجراء أدلّة البراءة في صورة الشكّ في الطلب الغير الإلزامي فعلا أو تركا قد يستشكل فيه ؛ لأنّ ظاهر تلك الأدلّة نفي المؤاخذة والعقاب ، والمفروض انتفائهما في غير الواجب والحرام ، فتدبّر.
______________________________________________________
أمّا الأوّل ، فالمحكيّ عن الفاضل عند بيان استحباب التكبير لرفع الرأس من الركوع واستحباب رفع اليدين إلى حذاء الأذنين ـ وكذا عن المحقّق القمّي وصاحب الفصول ـ هو التمسّك بالبراءة الأصليّة فيه ، بل ظاهر المصنّف رحمهالله كون الكلام في المسائل المذكورة نظير الكلام في المطالب الثلاثة اتّفاقيا ، فإن ثبت الإجماع وإلّا فهو كما أشار إليه مشكل ، لأنّ دليلها إمّا العقل ، وقد مرّ غير مرّة أنّ أقصاه الدلالة على مجرّد نفي العقاب فيما يحتمله لا نفي الخطاب ، والفرض انتفاء احتماله في المقام. أو النقل من الكتاب والسنّة ، ومساقه عند التأمّل مساق حكم العقل من الدلالة على كون المكلّف مرخى العنان ، غير ملزم بفعل ما يحتمل الوجوب وترك ما يحتمل الحرمة.
نعم ، يمكن أن يستدلّ عليه بوجهين :
أحدهما : أن يقال : إنّ عدم الدليل دليل العدم. وفيه : أنّك قد عرفت في الحواشي السابقة أنّ ذلك إنّما يجدي في صدر الإسلام وقبل انتشار الأحكام ، لأنّه مع الفحص عن دليل الحكم ـ وإن كان هو الاستحباب أو الكراهة ـ بما لا يعدّ معه مسامحا في الدين ومساهلا في الأخذ والطلب ، مع ملاحظة بناء النبيّ صلىاللهعليهوآله وخلفائه المعصومين عليهمالسلام على إبلاغ الأحكام إلى المكلّفين وإعلامهم بها ، مع عدم حدوث موانع الإبلاغ ، وعدم عروض سوانح الانطماس في ذلك الزمان ، يحصل القطع بأنّه لو كان هنا دليل على الحكم لوصل إلينا ، ومرجعه إلى قبح تأخير البيان