ألا ترى أنّه لو دار الأمر بين وقوع النجاسة على الثوب ووقوعها على ظهر طائر أو حيوان قريب منه لا يتّفق عادة ابتلائه بالموضع النجس منه ، لم يشكّ أحد في عدم وجوب الاجتناب عن ثوبه ، وأمّا لو كان الطرف الآخر أرضا لا يبعد ابتلاء المكلّف به في السجود والتيمّم وإن لم يحتج إلى ذلك فعلا ، ففيه تأمّل. والمعيار في ذلك وإن كان صحّة التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بنجاسته وحسن ذلك من غير تقييد التكليف بصورة الابتلاء واتّفاق صيرورته واقعة له ، إلّا أنّ تشخيص ذلك مشكل جدّا.
نعم ، يمكن أن يقال عند الشكّ في حسن التكليف التنجيزي عرفا بالاجتناب وعدم حسنه إلّا معلّقا : الأصل البراءة من التكليف المنجّز ، كما هو المقرّر في كلّ ما شكّ فيه في كون التكليف منجّزا أو معلّقا على أمر محقّق العدم ، أو علم التعليق على أمر لكن شكّ في تحقّقه أو كون المتحقّق من أفراده كما في المقام (١٥٢٤) ، إلّا أنّ هذا ليس بأولى من أن يقال : إنّ الخطابات بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة غير معلّقة ، والمعلوم تقييدها بالابتلاء في موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلّق بالابتلاء ، كما لو قال : «اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدّام أمير البلد» مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلّف به ، أو «لا تصرّف في اللباس المغصوب الذي لبسه ذلك الملك أو الجارية التي غصبها الملك وجعلها من خواصّ نسوانه» ، مع عدم استحالة ابتلاء المكلّف بذلك كلّه عقلا ولا عادة ، إلّا أنّه بعيد الاتّفاق ، وأمّا إذا شكّ في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات.
______________________________________________________
حينئذ يصحّ التمسك بالإطلاقات في موارد الشكّ ، لأنّ مرجع الشبهة حينئذ إلى الشكّ في التقييد زائدا عمّا علم تقييد تلك الإطلاقات به.
ولكنّك خبير بما فيه من الضعف ، لأنّ المدار في تحقّق الابتلاء وعدمه ـ كما صرّح به ـ على حسن التكليف الفعلي عرفا وعدمه ، فمرجع الشبهة في جميع مواردها لا بدّ أن يكون إلى الشكّ في تحقّق موضوع هذا الكلّي لا محالة.
١٥٢٤. لا يخفى أنّ ما نحن فيه من قبيل ما شكّ في تحقّقه ، لا من قبيل ما