.................................................................................................
______________________________________________________
البراءة إنّما يصحّ إن لم يكن هنا إطلاق لفظي كما هو واضح. ومن هنا يظهر أنّ التعبير بالأولويّة بقوله : «إلّا أنّ هذا ليس بأولى ...» لا يخلو من شيء ، لأنّ الرجوع إلى إطلاق الأدلّة في موارد وجوده متعيّن ليس على وجه الأولويّة (*). وكذا الرجوع إلى إطلاق الدليل إنّما يتمّ في موارد وجود دليل لفظي ، وقد عرفت أنّ الحكم قد يثبت بدليل لبّي أو لفظي مجمل ، فلا معنى للرجوع إلى الإطلاق في مثله ، لأنّ المتعيّن في مثله الرجوع إلى الاصول.
وأمّا ثانيا فإنّه ربّما يظهر من قوله : «لتعذّر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه» كون الشبهة في مصداق الابتلاء في ما نحن فيه ناشئة من الشبهة في مفهومه ، وقد عرفت ضعفه ، لعدم ورود لفظ الابتلاء وعدمه في الكتاب والسنة أوّلا ، وعدم جواز الرجوع إلى أصالة الإطلاق وعدم التقييد في ما كانت الشبهة في تحقّق مصداق القيد ـ على تقدير تسليم وروده في الكتاب والسنّة ـ ثانيا ، لأنّ الرجوع إلى الإطلاقات إنّما يصحّ في ما كان الشكّ في أصل التقييد أو مقداره لا في تحقّق مصداقه كما في ما نحن فيه ، إذ المتعيّن فيه الرجوع إلى أصالة عدم تحقّقه.
ولعلّ مراده بقوله : «لتعذّر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه» كون الشبهة في مصداق الابتلاء ناشئة من الشبهة في الأمر المركوز في نظر العقلاء الذي علّق عليه تنجّز التكاليف ، وإن كانت العبارة قاصرة عن إفادته.
وحاصله : أنّ الابتلاء الذي علّق عليه تنجّز التكاليف أمر مركوز في نظر العقلاء ، وقد علمنا تحقّقه في بعض الموارد وعدمه في آخر وشككنا في تحقّقه في ثالث ، إلّا أنّ الشكّ في تحقّقه فيه ناش من عدم ضبط الأمر المركوز كمّا ، لا من اختلاط بعض الامور الخارجة ، كما هو الشأن في سائر الشبهات الموضوعيّة. و
__________________
(*) في هامش الطبعة الحجريّة : «اللهمّ إلّا أن يريد بالأولويّة معنى التعيّن واللزوم ، كما في آية أولي الأرحام. منه».