.................................................................................................
______________________________________________________
وثانيا : مع تسليم استلزام حرمة شيء حرمة ملاقيه ، نمنع ذلك في خصوص المقام ، لأنّ الدليل على حرمة أطراف الشبهة المحصورة إمّا هو العقل أو الشرع ، وشيء منهما لا يدلّ على وجوب الاجتناب عن ملاقي بعض أطرافها. أمّا الأوّل فإنّ حكم العقل بوجوب الاجتناب عن جميع أطرافها إنّما هو للتحرّز عن الوقوع في الحرام الواقعي ، وهو إنّما يقتضي وجوب الاجتناب عن ملاقيها لو لم يكن الأصل الجاري فيه سليما من معارضة الأصل الجاري في المشتبهين ، وهو خلاف ما حقّقه المصنّف رحمهالله. ومنه يظهر ضعف دلالة الشرع أيضا ، لأنّ ظاهر جلّ أخبار الاحتياط ـ كما اعترف به المصنّف رحمهالله في غير موضع ـ إنّما يدلّ عليه لأجل التحرّز عن الهلكة الواقعيّة ، فمؤدّاها عين مؤدّى حكم العقل.
فإن قلت : إنّ مناط وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة موجود في ملاقيها أيضا ، لأنّ وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس الواقعي إنّما هو بعد العلم بتأثّر الملاقي بالملاقاة ، فلا بدّ أن يكون وجوب الاجتناب عن ملاقي الشبهة المحصورة على القول به أيضا كذلك ، وحينئذ يدخل ملاقيها في أطراف الشبهة لا محالة ، ويمنع جريان أصالة الطهارة فيه ، كما هو واضح.
قلت : إنّ دخول الملاقي بالكسر في أطراف الشبهة إنّما هو لانتقال بعض أجزاء الملاقى بالفتح بالملاقاة إليه ، وحينئذ إن صدق على هذه الأجزاء القائمة بالملاقي بالكسر عنوان الملاقى بالفتح عرفا فهو خارج ممّا نحن فيه ، ولذا منع المصنّف رحمهالله دلالة وجوب هجر الرجز على وجوب الاجتناب عن ملاقيه فيما إذا لم يكن عليه أثر من ذلك الرجز. وإن لم يصدق عليه ذلك نمنع دخوله بذلك في أطراف الشبهة ، لعدم الدليل على نجاسة هذا الأثر على تقدير العلم بنجاسة الملاقى بالفتح ، لاختلاف الأحكام باختلاف عناوينها. وغاية ما ثبت من الأدلّة هو تنجّس ملاقي النجس مع التأثّر ، لا نجاسة نفس الأثر مع عدم صدق عنوان النجس عليه ، لوضوح عدم كون تنجّس الملاقي باعتبار قيام هذا الأثر به ، ولذا يحكم ببقاء تنجّس