فإن قلت : وجوب الاجتناب عن ملاقي المشتبه وإن لم يكن من حيث ملاقاته له ، إلّا أنّه يصير كملاقيه في العلم الإجمالي بنجاسته أو نجاسة المشتبه الآخر ، فلا فرق بين المتلاقيين في كون كلّ منهما أحد طرفي الشبهة ، فهو نظير ما إذا قسم أحد المشتبهين قسمين وجعل كلّ قسم في إناء. قلت : ليس الأمر كذلك (١٥٣٣) ، لأنّ أصالة الطهارة والحلّ في الملاقي ـ بالكسر ـ سليم عن معارضة أصالة طهارة المشتبه الآخر ، بخلاف أصالة الطهارة والحلّ في الملاقى ـ بالفتح ـ فإنّها معارضة بها في المشتبه الآخر.
والسرّ في ذلك أنّ الشكّ في الملاقي ـ بالكسر ـ ناش عن الشبهة المتقوّمة بالمشتبهين ؛ فالأصل فيهما أصل في الشكّ السببي ، والأصل فيه أصل في الشك المسبّبي ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الأصل في الشكّ السببي حاكم (*) على الأصل في الشك المسبّبي ـ سواء كان مخالفا له ، كما في أصالة طهارة الماء الحاكمة على أصالة نجاسة الثوب النجس المغسول به ، أم موافقا له كما في أصالة طهارة الماء الحاكمة على
______________________________________________________
المحلّ مع زوال هذا الأثر عنه بالجفاف أو الإزالة. ومن هنا يظهر عدم توجّه السؤال إلى صورة زوال الأثر ، اللهم إلّا أن يقال بعدم الفصل بينها وبين غيرها ، فتأمّل.
١٥٣٣. حاصله : تسليم دخول الملاقي بالكسر في أطراف الشبهة ، ومنع وجوب الاجتناب عنه ، لسلامة الأصل الجاري فيه عن المعارض. ومنه يظهر ضعف ما استدلّ في الجواهر على وجوبه بقضيّة المقدمة. قال فيما لاقى الثوب أحد الإنائين : «إنّه حينئذ يكون مكلّفا باجتناب النجس ، وهو دائر بين أن يكون هذا الإناء أو الثوب ، أو الإناء الآخر والثوب أو هذا الإناء وحده ، أو الآخر وحده فيجب ترك الجميع من باب المقدّمة ، وبه ينقطع الاستصحاب كما انقطع الاستصحاب في غيره ، إذ لا معنى للقول بخصوص الحكم فيما إذا كان الاشتباه في الإناءات ـ أي : في متّحد النوع ـ دون غيره ، فإنّ من اليقين جريان المقدّمة فيما لو وقعت في الإناء أو الثوب أو البدن» انتهى. ولكن قد تقدّم ما يناقش في هذا
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : ووارد.