ويؤيّده تأخير الحسد عن الكلّ في مرفوعة النهديّ عن أبي عبد الله عليهالسلام المرويّة في آخر أبواب الكفر والإيمان من اصول الكافي : «قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وضع عن أمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، وما استكرهوا عليه ، والطيرة ، والوسوسة في التفكّر في الخلق ، والحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد ...» (٢٠). ولعلّ الاقتصار في النبويّ الأوّل على قوله : «ما لم ينطق» ؛ لكونه أدنى مراتب الإظهار. وروي : «ثلاثة لا يسلم منها أحد : الطيرة ، والحسد ، والظنّ. قيل : فما نصنع؟ قال : إذا تطيّرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقّق» (٢١).
والبغي عبارة عن استعمال الحسد ؛ وسيأتي في رواية الخصال : «إنّ المؤمن لا يستعمل حسده» ، ولأجل ذلك عدّ في الدروس من الكبائر ـ في باب الشهادات ـ إظهار الحسد لا نفسه ، وفي الشرائع : إنّ الحسد معصية وكذا الظنّ بالمؤمن ، والتظاهر بذلك قادح في العدالة. والإنصاف : أنّ في كثير من أخبار الحسد إشارة إلى ذلك.
وأمّا «الطّيرة» ـ بفتح الياء وقد يسكّن ـ : وهي في الأصل التشؤّم بالطير ؛ لأنّ أكثر تشؤم العرب كان به ، خصوصا الغراب. والمراد : إمّا رفع المؤاخذة عليها ؛ ويؤيّده ما روي من : «أنّ الطيرة شرك وإنّما يذهبه التوكّل» ، وإمّا رفع أثرها ؛ لأنّ التطيّر كان يصدّهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع.
______________________________________________________
ذلك ، ولا تتبعه نفسك ، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي ، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي» إلى غير ذلك من الآيات والأخبار المتكاثرة. وهي بإطلاقها ـ على كثرتها ـ تمنع من التقييد بصورة الإظهار باللسان ، وإن شهد به بعض أخبار الوضع كما زعمه المصنّف رحمهالله. ويمكن الجمع بحمل الأخبار المطلقة على صورة العمد والقصد ، سواء أظهره باللسان ونحوه أم لا ، وأخبار الوضع على الخطرات الواردة على القلب. ولعلّ هذا الجمع أولى من الأوّل ، إذ من البعيد عدم حرمة الحسد مع العمد والقصد إليه وإن لم يظهره باللسان.